“أرشيف مشفر”: أسرار تدمير رفات هتلر وعشيقته في العصر السوفياتي

تجمّع سريٌّ من عملاء «كي جي بي» السوفياتي في قاعدة عسكرية مهجورة بمدينة ماغدبورغ الألمانية.
حدث ذلك في إحدى ليالي أبريل/نيسان 1970. وكان الفريق يحمل أوامرَ مُشفَّرة بتدمير رفات أدولف هتلر وعائلته ورفاقه النازيين إلى الأبد.
حملت تلك العملية اسم “الأرشيف”، وظلت طي الكتمان لنحو نصف قرن. حتى كشفها رئيس الأرشيف في جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، الجنرال فاسيلي كريستوفوروف، وفق موقع “هيستوري نيوز نتورك”.
من الانتحار إلى سرّ السوفيات
في 30 أبريل/نيسان 1945، ومع اقتراب القوات السوفياتية من مخبأ الفوهرر في برلين. انتحر هتلر بإطلاق رصاصة في رأسه في حين تناولت إيفا براون السيانيد.
وفي اليوم التالي، قتل جوزيف غوبلز وزوجته ماغدا أطفالهما الستة بالسم قبل أن ينتحرا.
وأحرق النازيون الجثث جزئيًا، لكن الجنود السوفيات عثروا عليها في 5 مايو/أيار 1945، ونُقلت سرًّا عبر مدن ألمانية مختلفة. قبل أن تُدفن أخيرًا في فبراير/شباط 1946 داخل منشأة عسكرية سوفياتية في ماغدبورغ.
وظل موقع الدفن سرًّا حتى مارس/آذار 1970. حين قررت القيادة السوفياتية تسليم القاعدة إلى ألمانيا الشرقية.
وحينها، خشي رئيس المخابرات السوفياتية “كي جي بي”، يوري أندروبوف، من تحوُّل القبر إلى مزارٍ لتيار أقصى اليمين. فبعث بمذكرةٍ “سرية للغاية” إلى الزعيم ليونيد بريجنيف في 13 مارس/آذار 1970، اقترح فيها التخلص من الرفات.
ولم يعرف بالمذكرة سوى أربعة أشخاص هم: ريجنيف، وأندروبوف، ورئيس الوزراء أليكسي كوسيغين، ورئيس مجلس السوفيات الأعلى نيكولاي بودغورني.
“الأرشيف”: حرق الجثث وطحن العظام
عقب موافقة بريجنيف، بدأ التخطيط للعملية، وفي 5 أبريل/نيسان 1970. فتح فريق “كي جي بي” القبر السري في فناء المنزل رقم 36 بموقع عسكري. ليجد صناديق خشبية تحوي رفات 10 أشخاص (هتلر، وإيفا براون، وعائلة غوبلز، وكلب هتلر).
وقال فلاديمير غومينيوك، أحد المشاركين في العملية: “ارتدينا بدلاتٍ كيميائية وقناع غاز. الصناديق كانت متعفنة، والرفات تحوّلت إلى غبار. جمعناها في أكياس قماش. ثم أحرقناها في محرقة خارج بلدة شوينبيك”.
ووفق البروتوكول السري، نُثر الرماد في نهر بيديريتز. في حين احتفظ السوفيات بفك هتلر السفلي وجزء من جمجمته كـ”أدلة نهائية” على موته.
لماذا أخفى السوفيات الحقيقة؟
كشف الجنرال فاسيلي كريستوفوروف عن أن القرار استند إلى مخاوف أمنية. ولمنع صناعة أسطورة هروب هتلر، روّج السوفيات شائعات عن فراره إلى أمريكا الجنوبية منذ 1945.
كما خشي السوفيات من تحوُّل القبر إلى رمزٍ لأقصى اليمين. خاصةً مع تصاعد التوترات في الحرب الباردة.
إضافة إلى أن تسليم الموقع دون الكشف عن السر سيُجنب الحلفاء الشيوعيين إحراجًا سياسيًا.
-
نوستراداموس 2025: نهاية حرب وعودة الطاعون تهدد العالم
-
سيارة هتلر تثير التساؤلات: هل أصبحت جزءًا من مقتنيات زيلينسكي؟
ما تبقى من هتلر؟
رغم محاولة السوفيات محو كل أثر، احتفظوا بقطعتيْن، هما فك هتلر السفلي وهو محفوظ في أرشيف بموسكو. وجزء من الجمجمة معروض في الأرشيف الحكومي الروسي، به ثقب رصاصة.
ورغم ذلك لم تنه عملية “الأرشيف” الأسئلة، بل أثارت جدلًا جديدًا. واتهامات لروسيا باستخدام الرفات كورقة تفاوض في العلاقات الدولية.
-
بعد 104 أعوام.. أمريكا تعترف بأكبر جريمة في تاريخها: “مذبحة تولسا”
-
غرائب الفوبيا لدى الزعماء.. جبابرة تخشاهم الشعوب لكنهم هُزموا بمخاوف غريبة
كما لم تتوقف نظريات المؤامرة حتى الوقت الراهن رغم الأدلة. كادعاء كاتبٍ أرجنتيني عام 2017 أن هتلر عاش في منزله حتى 1962.
وردا على ذلك، قال سيرجي ميرونينكو، رئيس الأرشيف الروسي، في ذلك الوقت: “نحن واثقون تمامًا بأن الجمجمة أصلية، وهناك العديد من الوثائق التي عرضناها لدعم ذلك”.
وأضاف: “هذه الوثائق تثبت بشكل قاطع أن كل النظريات حول نجاة هتلر أو هروبه أو خضوعه لجراحة تجميل هي مجرد خرافات لا أساس لها. لقد كان رجلاً منهارًا نفسيًا غير قادر على اتخاذ أي قرارات. وكان يعلم أن مخبأه سيكون ملاذه الأخير، وهذا بالضبط ما حدث”.
واليوم، بينما تُعرض جمجمة هتلر المزعومة في متاحف روسيا كـ”دليلٍ على انتصار الخير”. تبقى عملية “الأرشيف” شاهدةً على كيفية إدارة الحروب حتى بعد انتهائها… ليس بالسلاح، بل بأوراق السرية والرماد.