اخترنا لكم

أمريكا وروسيا.. صراع تحت القمة!


لا يبدو أن المستقبل القريب سيشهد تسويات وحلولا مباشرة في القضية الروسية الأوكرانية.

تلك القضية التي تخوض فيها أمريكا معركة دبلوماسية تهدف في الغالب إلى “جرّ روسيا إلى مساحة مفتوحة من التصفيات السياسية التي ترغب أمريكا في مناقشتها مع روسيا”، وسيكون غطاء هذا الحوار الموسع هو القضية الأوكرانية، التي تستنفر الإدارة الأمريكية كلها بالحديث عنها، فوزيرا الخارجية والدفاع والرئيس الأمريكي يناقشون وبشكل يومي القضية الأوكرانية وتلك الحشود العسكرية الروسية على حدود أوكرانيا، والتي تراقبها أمريكا بدقة عبر تقنياتها الفضائية وصورها الجوية.

السؤال المباشر هنا يدور حول نوعية الصراع القائم بين أمريكا وروسيا، ويبدو بوضوح أن شكل الصراع الأمريكي الروسي يدور تحت القمة الدولية، فليس القطبان متكافئين بما يسمح أن نطلق عليه أنه تنافس قطبي، فما يحدث اليوم بين أمريكا وروسيا يدور “تحت القمة”، وأمريكا تشعر أنه بعد إسقاط الاتحاد السوفييتي لم يعد أمامها تحد كبير في كل أوروبا، ولذلك يسعى “البيت الأبيض” إلى استكمال “ترويض” روسيا وفرض حقيقة أن أمريكا لن تتخلى عن دورها القيادي في أوروبا، وأن هذا الدور مستمر في التقدم حتى موسكو.

أمريكا لديها الرغبة الملحة في أن يتم إدخال الدب الروسي إلى حلبة حوار دبلوماسي متشعب، ذروة سِنامه القضية الأوكرانية، ولكن تفاصيله تمتد حتى الصين، حيث ترغب أمريكا في قياس درجة حجم التوافق الصيني الروسي وتأثيراته على أوروبا، ولذلك تستخدم أمريكا سياقا سياسيا ضاغطا يعتمد على دفع روسيا للدخول إلى الحلبة الدبلوماسية، حيث سيجد “بوتين” نفسه في مواجهة أوروبا وأمريكا على حد سواء.

الأمن الأوروبي لن يكون في مسار صحيح بالنسبة لأمريكا ما لم يتم التعرف إلى الصورة النهائية، التي ترغب روسيا في أن ترسمها لنفسها، فأمريكا، ومن أجل الوصول إلى هذه النتيجة، ترى أن أوكرانيا هي مفتاح تلك الصورة، وفي ذات الوقت ترى روسيا أن أوكرانيا هي الاختبار الحقيقي لها لكي تثبت أن أمريكا ليست كما كانت، وأنها استطاعت أن تخلق معها صراعا سياسيا تحت القمة، ما يعنى أن أمريكا أمام خِيارين لا ثالث لهما، إما القبول بصراع تحت القمة السياسية الدولية مع دولة وريثة للاتحاد السوفييتي والتنازل عن صفة قطب القوة المتفرد، وإما ممارسة التصرف بقوة مع روسيا، وهذا ما قد يفتح صراعات عسكرية واقتصادية لها تأثيرها على أمريكا في سباقها مع الصين، وهذا الخيار مستبعد وفقا للصورة السياسية الأمريكية القائمة.

من الواضح أن صيغة التحالفات الدولية تعود من جديد على شكل صراعات بينية بين الدول، ومثال روسيا وأوكرانيا وما يحدث في كازاخستان مؤشرات على أن النظام العالمي يعيد تشكيل ذاته من جديد، حيث لم تعد هناك دولة في العالم يمكنها أن تتفرد بالقوة وتفرضها كما تريد، وقد عكست هذه الحقيقة تصريحات حديثة للمتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، الذي قال: “لن نسمح لأي دولة بإملاء سياسات دولة أخرى، مهما كان حجمها وقوتها، وإن امتلكت أسلحة نووية”.

من المؤكد أن هذه السياسة تعكس حذر أمريكا وتراجعها بعد تجارب أمريكية كثيرة من استخدام القوة.. المؤكد أن صراعات ما تحت القمة هي النموذج الدبلوماسي المتاح في هذه المرحلة، وفلسفة هذه الصراعات تقوم على دفع الأطراف نحو أروقة الغرف الدبلوماسية للحصول على حل للمكشلات وتوزيع المنافع سياسياً.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى