أنقرة تعزّز نفوذها الإفريقي عبر موجة صفقات تسليح متصاعدة
تراهن تركيا على الصناعات الدفاعية لتعزيز حضورها في القارة الإفريقية من خلال نهجها القائم على الشراكة والتعاون وهو ما يمثل ركيزة استراتيجية لأنقره لتوسيع نفوذها الجيوسياسي والاقتصادي في القارة السمراء، مستندة إلى إبرام الاتفاقيات الثنائية وتلبية الاحتياجات الأمنية لدول القارة في مجالي الأمن ومكافحة الإرهاب.
وتشهد العاصمة المالية تنظيم معرض باماكو إكسبو “بامكس 2025″، في الفترة ما بين 12 و14 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، بمشاركة ملحوظة من شركات تركية، تحت إشراف رئاسة الصناعات الدفاعية التركية.
وقد وجهت حكومة مالي دعوات رسمية إلى أكثر من 50 دولة، على رأسها دول القارة الإفريقية، للمشاركة في المعرض الذي تنظمه شركة “برونتون صاونما” (The Peak Defense) التركية.
منتجات عالية الجودة بأسعار مغرية
وتعرض شركات صناعات دفاعية تركية مثل بايكار، أسيلسان، روكيتسان، ومؤسسة الصناعات الميكانيكية والكيميائية (MKE) وإس تي إم وقلعة قالب وسارسيلماز وأطلس وزِد إس آر وهدف ديفينس، أقداش سلاح، وغيرها، منتجاتها أمام وفود عسكرية ومدنية من مختلف الدول الإفريقية.
وفي حديث للأناضول، قال هارون سراج رئيس مجلس إدارة معرض باماكو والمدير العام لشركة ذي بيك ديفينس التركية، إن العام الماضي شهد تنظيم فعالية تجريبية حضرتها وفود رفيعة المستوى، أتيحت لها خلالها فرصة تجربة المنتجات التركية ميدانيًا قبل اتخاذ قرارات الشراء.
وأوضح أن فكرة المعرض “وُلدت من الحاجة إلى منصة مهنية مخصصة لوفود رسمية حكومية تجمعهم مع الشركات التركية”، مشيرًا إلى أن “التجربة الأولى كانت ناجحة وفريدة على مستوى العالم”.
وتابع أن “السوق الإفريقية تمثل فرصة استراتيجية كبيرة للصناعات الدفاعية التركية”، لافتا إلى أن مالي “من أكبر وأهم دول إفريقيا، وتقع في قلب منطقة الساحل التي تشهد نشاطًا لمنظمات إرهابية”.
وذكر أن “دول هذه المنطقة تحتاج بشدة إلى حلول أمنية متكاملة تشمل الأسلحة النارية والذخائر وأنظمة حماية الحدود، وهذا ما نقدمه من خلال هذا المعرض”.
وحول إمكانات السوق الإفريقية بالنسبة لتركيا قال سراج إن القارة السمراء “بحاجة ماسة إلى منتجات دفاعية متطورة بأسعار مناسبة”، مضيفا “شركاتنا تعمل وفق مبدأ الربح المتبادل، فهي تراعي مصلحة الشريك الإفريقي بقدر ما تراعي مصالحها”.
وأردف سراج “يمكن للدول الإفريقية الحصول على منتجات تركية عالية الجودة في الوقت المناسب وبأسعار مناسبة، وهذا ما يميزنا عن المنافسين”.
وأشار إلى أن شركات الصناعات الدفاعية التركية “تمتلك أحدث التقنيات وتوفر حلولًا متقدمة تلبي مختلف الاحتياجات الأمنية والعسكرية”، مؤكدا أن المعرض “يشكل منصة مهمة لعرض هذه القدرات”.
ثقة متزايدة بالصناعات الدفاعية التركية
وبيّن سراج أن الشركات التركية “تنفذ حاليًا مشاريع متنوعة في إفريقيا تشمل أنظمة حماية الحدود وحلولًا دفاعية متعددة”، موضحا أن “التعاون بين تركيا والعديد من الدول الإفريقية يسير بوتيرة تصاعدية”.
وقال سراج إن “بلدان القارة تدرك أن المنتجات التركية ذات جودة عالية ويمكن الحصول عليها دون عقبات، هناك أيضا ثقة متبادلة بين الشعوب الإفريقية والجانب التركي، ويجب علينا استثمار هذه الثقة لتوسيع حضورنا الصناعي في القارة”.
ولفت إلى أن “الدورة الأولى من المعرض خصصت حصريا للشركات التركية، فيما سيجري تنظيم النسخة المقبلة بما يتيح للمؤسسات الدولية الراغبة في عرض منتجاتها ضمن أجنحة خاصة، إلى جانب الجناح التركي الذي سيبقى محور المعرض”.
وأكد سراج أن “التحضيرات للدورة الثانية بدأت بالفعل، وأن الجدول الزمني الرسمي سيُعلن بعد انتهاء فعاليات “بامكس 2025″، في ظل اهتمام واسع من دول أوروبا والشرق الأوسط والأميركيتين بالمشاركة في النسخة القادمة”.
وختم حديثه بالتأكيد على أن الصناعات الدفاعية التركية “أصبحت شريكا موثوقا في إفريقيا، قائلاً بفضل الجودة، والسعر المناسب، والثقة، باتت تركيا لاعبا أساسيا في تلبية احتياجات القارة من حلول الأمن والدفاع”.
ووصفت وسائل إعلام إفريقية معرض “بامكس 2025” بأنه حدث “رائد” من شأنه أن يفتح آفاقا جديدة لنقل الحلول التكنولوجية التركية الحديثة في قطاع الدفاع إلى القارة الإفريقية.
وفي اليومين الأخيرين من المعرض، اللذين يحملان اسم “يوم العرض التجريبي” (Demo Day)، تتاح للوفود الأجنبية والفرق المتخصصة فرصة اختبار منتجات الشركات التركية في ميدان مخصص لعمليات القوات الخاصة.
واستقطبت صناعة الدفاع التركية مؤخرا اهتماما كبيرا من الدول الإفريقية، التي تعمل على تعزيز جيوشها بمنتجات الصناعات الدفاعية التركية، وخاصةً الطائرات المسيرة والمركبات المدرعة.
وتركز تركيا على مناطق ذات أهمية جيوسياسية، مثل القرن الإفريقي، الصومال، حيث أقامت قاعدة عسكرية وقدمت مساعدات، وليبيا، وغرب إفريقيا، مثل مالي وغانا، المطل على خليج غينيا.
وتعتمد استراتيجية أنقرة على تقديم نفسها كـ”شريك مرغوب فيه” يمتلك ماضياً غير استعمارياً، ويستفيد من الفرص الاستراتيجية لملء الفراغ الذي خلفته القوى التقليدية، مع التركيز على الأمن والتنمية كمحورين رئيسيين.
ويرى محللون أن النفوذ التركي يعتبر بديلا للشراكات التقليدية مع القوى الغربية (مثل فرنسا والولايات المتحدة)، خاصة في ظل تراجع نفوذ تلك القوى في مناطق معينة.
