أوكرانيا.. يجب أن تكون الدولة هي المتحكم في مصيرها
دخل كل من الوفدين الروسي والأوكراني إلى مرحلة المفاوضات بعد أيام من الصراع بين البلدين، كما دعت بعض دول العالم ومنها الصين والإمارات لحل الأزمة عن طريق الحوار والتفاوض.
على أي حال، سيخسر كل من الطرفين، ولن يكون هناك منتصر. فرضت دول غربية عقوبات على روسيا في المجالات، وشهدت أوكرانيا تسريع ركود اقتصادها، وتدفق الأموال إلى الخارج، كما فر مئات الآلاف من اللاجئين الأوكرانيين إلى الدول المجاورة.
أوكرانيا، التي كانت دولة قوية وواحدة من البلدان التي تتمتع بأفضل الموارد الطبيعية في العالم، أصبحت الآن ساحة صراع للدول الكبرى، يرجع السبب من ناحية إلى أن أوكرانيا لم تجد مسارًا مناسبًا لتنميتها الفعلية، ومن ناحية أخرى أنها علقت آمالها على الولايات المتحدة والدول الأوروبية، فصارت ضحية للعبة جيوسياسية.
احتفظت أوكرانيا بقاعدة صناعية قوية من الاتحاد السوفياتي بعد تفككه، ما وضع أساسا جيدا لتنميتها لكسب احترام المجتمع الدولي والدفاع عن مصالحها ومواقفها الجوهرية، لكن أوكرانيا تخلت عن كل أوراق اللعب، وسعت إلى الحصول على ضمانات أمنية وتعويضات اقتصادية من الولايات المتحدة وروسيا. بالنسبة لدولة مثل أوكرانيا تتوسط صراع للدول الكبرى، قد يكون الحياد أفضل مبدأ سياسي لتجنب عن هذا الصراع، وكذلك يعتبر الحياد أحد الوسائل الهادفة إلى حماية استقلال البلاد، لأن الاعتماد على أي طرف قد يجلب لها فترة من السلام، لكن لن يكون هناك مفر في نهاية المطاف من الدخول في مستنقع الصراعات. في تصريح لوزير الخارجية الصيني وانغ يي يعبر عن موقف الصين بشأن القضية الأوكرانية: “ينبغي أن تكون أوكرانيا جسرا للتواصل بين الشرق والغرب، وليست خطا للمواجهة بين الدول الكبرى.”
وحدث نفس الأمر في ليبيا والعراق وغيرها من الدول العربية، التي أدى تدخل القوى الأجنبية فيها إلى تدميرها والدفع بها إلى هاوية الحروب الأهلية المستمرة، فوقع ملايين من أبناء الشعب الليبي وحتى شعوب المنطقة في الكوارث الإنسانية، وظهرت أمواج ضخمة من الهجرة واسعة النطاق من شمال أفريقيا والشرق الأوسط إلى أوروبا.
إن الصين التي عانت من غزو واضطهاد القوى الغربية لعدة عقود في تاريخها الحديث تعرف بشكل جيد مدى أهمية سيادة البلاد وسلامة أراضيها. فبداية من عام 1840، شنت القوى الإمبريالية الغربية سلسلة من الحروب العدوانية ضد الصين، وأجبرت الصين على توقيع العديد من المعاهدات غير العادلة، وفرضت مبالغ كبيرة من تعويضات الحرب، وأجبرت الصين على التنازل عن مناطق واسعة من الأراضي الصينية. وحتى في عام 1999، قامت قوات حلف الناتو بقصف سفارة الصين لدى يوغوسلافيا وأسفر ذلك عن مقتل ثلاثة صحفيين صينيين، وهذا ما ذكرت هوا تشون ينغ المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية إلى القول إن “الصين تريد تذكير دول حلف الناتو بأن عليها ديون دموية بحق أبناء الشعب الصيني.” للرد على اتهام المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس للصين.
من الحركة الوطنية التي كان يقودها الشباب الصينيون، إلى تأسيس جمهورية الصين الشعبية الجديدة، وتنفيذ سياسة الإصلاح والانفتاح، عاد الشعب الصيني لتولي زمام الأمور بعد جهود وكفاح عدة أجيال. ومنذ التسعينات، وضعت الصين “التنمية” على رأس أولويات لعملها الوطني، وسعت إلى التحكم بمصيرها بنفسها، وتحقيق استقرار البلاد ونهضة الأمة اعتمادا على الذات. ودليل آخر هو الإمارات التي حققت إنجازات كبيرة في التنمية وقد امتنعت عن التصويت على مشروع قرار أمريكي يدين الهجوم الروسي على أوكرانيا، يعكس ثقتها في اتخاذ قرارات مستقلة بشأن القضايا السياسية الدولية والإقليمية أيضا.
رغم استمرار بعض الصراعات في العالم، إلا أن السلام والتنمية هو اتجاه عالمي لا يمكن مقاومته. اليوم أصبح العالم أكثر اندماجا، وإذا نشبت حرب بين دولتين، لا يمكن لباقي دول العالم ألا تتأثر بها. كما أثرت الأزمة الروسية الأوكرانية على الأمن الغذائي وأمن الطاقة للعديد من بلدان العالم. فمن الأفضل أن تسعى دول العالم إلى التعاون بدلا من المواجهة، والفوز المشترك بدلا من اللعبة الصفرية، وذلك على أساس الاحترام المتبادل لسيادة البلاد وسلامة أراضيها، وعدم السعي لضمان أمن أي دولة على حساب الإضرار بأمن الآخرين.