أين الأسلحة الغربية في أوكرانيا؟
خسرت أوكرانيا بلدة كبرى أخرى في إقليم دونباس. فأين الأسلحة الغربية؟ ولماذا لم تغير موازين القوى بالفعل؟
توشك الحرب في أوكرانيا أن تدخل شهرها الخامس. هذا وقت كان يكفي لتدريب فيلق من فرق وألوية عدة. ولا يزال المسؤولون الغربيون يتذرَّعون بأن تزويد أوكرانيا بالمزيد من الأسلحة يتطلب تدريبات تستغرق أسابيع عدة. وإذا شاء المرء أن يُصدق هذه الذريعة، فإن نهاية شهر يوليو المقبل يفترض أن تكون التدريبات قد تمت، وجاءت معها الأسلحة. إلا أن ذلك لن يحصل قبل أن تفقد أوكرانيا المزيد من الأراضي والمدن الكبرى.
ومن تراجع الى آخر تتسع ظلال الهزيمة.
الكل يبدو أنه قدم تبرعات. وكانت الحرب فرصة لكي تتخلص دول مثل رومانيا وبولندا وألمانيا من كل ما لديها من أسلحة قديمة، من أيام الاتحاد السوفييتي، لكي تكفل لنفسها، وليس لأوكرانيا، تحديث مخزوناتها من الأسلحة الحديثة، ولكي تدرب قواتها هي، وليس القوات الأوكرانية عليها.
المعركة تدور، بالرغم من كل ذلك، في أوكرانيا وليس في أي بلد أوروبي آخر. والموازين إنما تتعلق بمصير هذا البلد، وليس بمصير أي بلد آخر. وما لم تتمكن أوكرانيا من استعادة سيادتها على أراضيها، فإن أي تسوية أقل من ذلك سوف تعني هزيمة استراتيجية لكل دول التحالف الغربي “الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا وأستراليا”، حتى لو بقيت العقوبات مفروضة على روسيا.
المعنى الوحيد من ذلك، هو أن دول هذا التحالف تعمل على أن تهزم نفسها، بينما تتحول أوكرانيا إلى كبش فداء للفشل.
الأسلحة تأتي، ولكن بالقطّارة، لكي تحصل روسيا على الوقت الكافي لتدميرها، من قبل أن تترك أثرا فعليا على أرض المعركة. هذا هو السبب الميداني الأول للفشل. وبينما لم تترك موسكو شيئا في الأزمة إلا واستخدمته، فإن دول التحالف الغربي لم تترك شيئا من قدراتها إلا واستثنته.
من المعيب أصلا تصور أن دول التحالف الغربي تحتاج إلى كل هذا الوقت لكي تنخرط في أزمة ابتدأتها.
الأسلحة متوفرة. والخزائن عامرة. والمتطوعون كُثر. والتعهدات بالدعم أكثر. إلا أن الميزان ظل يميل لصالح روسيا. ولن يمضي وقت طويل، حتى تقترب المعركة من نهايتها بالنسبة لروسيا. وسرعان ما سوف يلي ذلك إعلان وقف إطلاق النار، وقبول ضم إقليم الدونباس إلى روسيا لتضع الحرب أوزارها، كما شاءت لها موسكو أن تكون. على الأقل، بمعايير المخطط الأصغر حجما.
الحديث المبكر عن “مشروع مارشال” لإعادة إعمار أوكرانيا، بينما المعركة على أشدها، يبدو كأنه إغراء مسبق لأوكرانيا بقبول الهزيمة. وهو إغراء يقول: اقبلوا بما خسرتم، وسوف نعوضكم بالمال.
ما يكشف عن هذا المعنى حقيقة أنه لا يمكن البدء بمشروع لإعادة البناء دون استقرار تام، وقبول تام، بأن تكون نتائج المعركة هي الوضع النهائي. فالمال لا يُرمى لكي يُحرق في أزمة لا تزال أفرانها تتقد. ولا حتى عندما تكون على موعد آخر لتستأنف الاتقاد.
“الحرب طويلة الأمد” أكذوبة أخرى. الفكرة الرئيسية من ورائها هي “مواصلة استنزاف روسيا إلى الحد الذي يُجبرها على التراجع”.
دعاة هذه الفكرة لم يسألوا أنفسهم: التراجع إلى أين؟ كما لم يسألوا أنفسهم: ما الكُلفة المضادة، سواء على مستوى قدرة أوكرانيا على الصمود، أو مستوى العواقب الأخرى؟
الأصل الأصدق في هذه الفكرة يقول للأوكرانيين: حاربوا ما استطعتم. ومن بعد ذلك، استسلموا استسلام الأبطال، واتركوا للحرب أن تأخذ أشكالا أخرى، أو اتركوها للزمن.
أما العقوبات المفروضة على روسيا، فإنها، هي الأخرى، جزء من نظرية “اتركوها للزمن”.
هذه العقوبات ليست فاشلة، على مستوى إلحاق الضرر بروسيا، أو فرض عزلة طويلة عليها. ولكنها ليست ناجحة على المستوى الاستراتيجي المتعلق بتوازنات النظام الدولي الراهن.
إنها تدفع روسيا إلى البحث عن أسواق ومجالات وأدوار في جزء فسيح من العالم. منظومة “بريكس”، التي تضم الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، و”بريكس بلاس”، التي تضيف عددا آخر من البلدان، حتى وإنْ كانتا منظومتين بدائيتين، فإنهما تكشفان عن مساحة حركة تتيح لروسيا أن تنعم ببعض البدائل والفرص. وحالما تعثر هذه المنظومة على نظام نقدي خاص بها، فإنها سوف تقسم العالم شطرين، من تحت، إذا ما عجزت الحرب عن تقسيمه من فوق. والنظام الدولي، كما نعرفه، لن يعود قائما.
قصارى القول من ذلك، إن تحالفا غربيا فشل في أن يحمي نفسه في عُقر داره، كيف يمكن الثقة به في أي مكان آخر؟ وما نفعُ ما يملكه من أسلحة إذا عجزت أن تحمي نظامه الدولي؟ وما قيمة المال عندما تكون الهزيمة هي الظلال؟ش