حصري

إيران في السودان.. جبهة خلفية لحرب غير معلنة


في ظل التصعيد غير المسبوق بين إيران وإسرائيل، برز السودان كلاعب جديد في ساحة الصراع، ليس من موقعه الجغرافي فحسب، بل من خلال تحوّله السريع إلى منصة عسكرية إيرانية بديلة بعد تضرر البنية التحتية للتسليح داخل إيران نتيجة الضربات الجوية الإسرائيلية. ما يجري داخل الأراضي السودانية، وتحديدًا في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، لم يعد مجرد تعاون عسكري عابر، بل هو تحول استراتيجي عميق في ميزان القوى في البحر الأحمر.

 منشآت تصنيع المسيّرات: إعادة تموضع بعد الضربات

بحسب مصادر مطلعة تحدثت لموقع “السودان ليكس”، قدم الحرس الثوري الإيراني مؤخرًا خطة مفصلة لقيادة الجيش السوداني لبناء منشآت لتجميع وتصنيع الطائرات المسيّرة في مواقع استراتيجية داخل السودان، أبرزها في وسط البلاد وجنوبها. هذه الخطوة تأتي بعد سلسلة من الهجمات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت منشآت مماثلة داخل الأراضي الإيرانية، ما دفع طهران إلى البحث عن أرض بديلة أقل تكلفة وأكثر بعدًا عن الاستهداف المباشر.

 قاعدة أوسيف.. الخطوة الأولى في مشروع السيطرة

لم تكن قاعدة “أوسيف” على البحر الأحمر مجرد منشأة لوجستية عسكرية، بل كانت جزءًا من مخطط إيراني أوسع للسيطرة على الموارد السودانية وممرات التجارة البحرية. بالتنسيق مع قيادات في الجيش السوداني، تم تأمين موقع القاعدة لتكون نقطة انطلاق للمشروع الإيراني الذي يستغل الحرب الأهلية السودانية كغطاء لتوسيع النفوذ وبناء البنية التحتية العسكرية دون رقابة.

بورتسودان.. بوابة لتهريب السلاح الإيراني

ميناء بورتسودان، الذي كان يوماً ما شرياناً تجارياً حيويًا للسودان، بات اليوم وفق تقارير استخباراتية منفذاً بحرياً غير رسمي لنقل المسيّرات والأسلحة وقطع الغيار الإيرانية. يتم نقل هذه المعدات تحت ستار “التعاون اللوجستي”، بينما الحقيقة أنها تُهرّب لتغذية الصراع الإيراني ضد إسرائيل أو دعم حلفائها في المنطقة كالحوثيين وحزب الله. غياب الرقابة الدولية وانشغال العالم بالحرب الداخلية في السودان، سمح لإيران بالتحرك بحرية.

 السودان.. جسر إيران نحو العمق الإفريقي

السودان بالنسبة لإيران ليس فقط محطة عبور، بل قاعدة خلفية لبناء موطئ قدم دائم في أفريقيا. عبر السودان، تسعى طهران للوصول إلى دول أخرى تعاني من ضعف الاستقرار الأمني، ما يمنحها فرصة لتوسيع شبكة نفوذها وتهديد الأمن الإقليمي من الجنوب. السودان يتحوّل تدريجيًا إلى مركز عمليات خلفي لإيران، يسهّل إعادة التموضع بعد الخسائر التي تكبدتها في سوريا والعراق واليمن.

 استغلال الحرب الأهلية.. وصمت المجتمع الدولي

استغلت طهران حالة الفراغ السياسي والانقسام العسكري في السودان، لتدخل من بوابة “الدعم التقني” ثم تتوغل في العمق العسكري واللوجستي، حتى أصبحت جزءًا من القرار داخل المؤسسة العسكرية السودانية. هذا الواقع يُثير تساؤلات جدية حول مدى استقلالية الجيش السوداني، الذي بات ينفذ أجندات خارجية على حساب المصلحة الوطنية.

أما المجتمع الدولي، فهو غائب تمامًا عن المشهد، منشغل بملفات أخرى، تاركًا الساحة لطهران لتتحرك براحتها. هذا الصمت المريب قد يُفسّر لاحقًا على أنه تواطؤ ضمني أو فشل استخباراتي جماعي في مراقبة أخطر مشروع توسع إيراني في أفريقيا.

الإنذار الأخير: القادم أخطر!

ما يحدث اليوم في السودان ليس نهاية المطاف، بل بدايته فقط. فبعد قاعدة أوسيف، تعمل طهران على إنشاء شبكة قواعد ونقاط تصنيع وتخزين متناثرة يصعب تتبعها أو تدميرها بضربة واحدة. وإذا لم تتحرك الدول الإقليمية الفاعلة والمجتمع الدولي لوقف هذا الزحف، فإن البحر الأحمر سيتحول إلى ساحة مواجهة مفتوحة، والسودان إلى ضحية جديدة لحروب الآخرين.

إن انكشاف هذا المشروع الإيراني يجب أن يدق ناقوس الخطر في العواصم الإقليمية والدولية. السودان ليس مجرد ساحة صراع محلي، بل صار مركزاً استراتيجياً لصراع دولي عابر للحدود. وكل يوم يمر دون تدخل حازم، يقرب المنطقة أكثر من سيناريوهات الفوضى الدائمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى