السياسي المثقف الذي أجاد وصف أهمية بلاده وموقعها الجيوسياسي بالنسبة للمنطقة والعالم عندما قال: “من الممكن أن يكون العراق نعمة كبيرة أو لعنة خطيرة”. وربما هذا وصف قصير في عدد كلماته، لكنه معبر بشكل دقيق، ويمكن التأكد من صحة ذلك إذا استعراضنا ما شهده العالم من أحداث كارثية كنتيجة لما كان يحدث في العراق منذ مارس عام 2003 حتى اللحظة؛ بسبب التغلغل الإيراني في مفاصل الدولة العراقية.
وأعتقد أن أي حديث وعلى أي مستوى عن توازن العراق يمكن أن يشمل جميع دول العالم إلا إيران؛ لأن الواقع الذي نراه يؤكد أن النظام الإيراني لم يقم بأي إجراء عملي يساعد على استقرار العراق كي يكون قوياً ومتوازناً.
وإذا كان قائد فيلق القدس قاسم سليماني الذي اغتالته القوات الأمريكية في يناير 2020 قد قدم مساعدة للعراق والعراقيين، كما ذكر الرئيس برهم صالح في حواره، فمعروف أن النظام الإيراني لا يقدم مساعداته مجاناً أو لأجل الإنسانية، بل الكل يعرف ما فعله سليماني بالعراق وبالدول العربية الأربع لبنان وسوريا والعراق واليمن حتى بعد وفاته فإن آثاره الكارثية مستمرة.
أعتقد أن المقارنة بين الرغبة الإيرانية لتوازن العراق بنفس مستوى قدر الرغبة العربية أو باقي دول العالم هو أمر يثير الاستغراب والتساؤلات على الأقل من ناحية أن المحتجين العراقيين مصرون منذ أكثر من عام على إخراج إيران من العراق، لأنهم تأكدوا أن وجودها هو السبب الرئيسي لكل الأزمات التي يعيشونها.
أما الحديث عن النهوض الاقتصادي والأمني لكل دول المنطقة والعراق هو مطلب وأمنية لدى كل أبناء المنطقة وليس الشعب العراقي الذي يمتلك كل مقومات النهوض ببلاده بشهادة كل المراقبين في العالم من حيث إنه بلد غني بالثروات المادية، وبأبنائه الذين يمتلكون الكفاءات والمهارات البشرية، ولكن في المقابل هذا النهوض يحتاج إلى توفير الأسباب المؤدية لذلك ولعل أهمها: استقرار المنطقة وتقليل ما يؤدي إلى تهديد مجيء رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية، وهذا كله بيد النظام الإيراني الذي يرفض أن يكون دولة طبيعية ضمن النظام العالمي ويعمل على استباحة أرض العراق لتصفية الحسابات السياسية مع خصومه في المنطقة والعالم.
إن استبعاد إيران كعامل مهدد لاستقرار العراق والمنطقة أو الحديث عنها بأنها دولة ساعية لتوازن العراق هو بمثابة القفز على معطيات الواقع، لأنها الدولة الوحيدة في المنطقة التي تعمل ضد استعادة العراق لسيادته، التي يعمل رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي على تحقيقها منذ مجيئه في مايو 2020.
الدولة الوحيدة في العالم التي يقترن وجودها في أي مجتمع بالفوضى والخراب وعدم الاستقرار هي إيران. ولو استعرضنا قائمة تغلغلها في العراق فسيطول سرد عدد الكوارث التي أحدثتها من خلال تغذية حروب طائفية، وعرقلة مشاريع سياسية والاستغلال الاقتصادي، ولكن لا توجد سياسة واحدة في تلك القائمة تهدف إلى جعل العراق دولة متوازنة.
من المأمول أن يكون قادة النظام الإيراني قد تابعوا الحوار المفعم بالتفاؤل والإيجابية لمستقبل العراق. والمأمول أيضاً أن يكون قادة إيران قد اقتنعوا بما يعتقده الرئيس برهم صالح بأن استقرار العراق يهم الإيرانيين أيضاً، لأن المصلحة النهائية تهم الجميع.