الإمارات غير مطمئنة لقيادة سوريا الجديدة بسبب ارتباطها بالإخوان
في أعقاب السقوط السريع والمفاجئ لحكم الرئيس السوري بشار الأسد، تنظر الإمارات بعين الريبة إلى الانتماءات الإسلامية للفصائل المسلحة التي فرضت سيطرتها على دمشق بقيادة هيئة تحرير الشام، مشيرة إلى ارتباطات بجماعة الإخوان المسلمين، بينما تنتظر أبوظبي من السلطة السورية الجديدة أفعالا لا أقوالا وهو الموقف نفسه الذي أعلنت عنه القوى الغربية، لا سيما بحكم خلفيات القيادة الجديدة وسجلها في انتهاك حقوق الإنسان وارتكاب جرائم حرب في شمال سوريا.
ويشير عدم منح الإمارات صكا على بياض إلى السلطة الجديدة في سوريا إلى قناعة راسخة بأن جماعات الإسلام السياسي تضمر عكس ما تقول وتعتمد في أبجدياتها العنف والإقصاء نهجا لممارسة السلطة وإن كانت تنفي ذلك.
وبعد هجوم خاطف استمرّ 11 يوما، تمكّنت فصائل معارضة تقودها هيئة تحرير الشام الإسلامية من السيطرة على دمشق في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، وإنهاء حكم عائلة الأسد الذي استمرّ أكثر من نصف قرن.
وقال أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي خلال كلمة في “مؤتمر السياسات العالمية” في أبوظبي السبت “نسمع تصريحات معقولة وعقلانية حول الوحدة، وعدم فرض نظام على جميع السوريين، لكن من ناحية أخرى، أعتقد أن طبيعة القوى الجديدة، ارتباطها بالإخوان، وارتباطها بالقاعدة، كلها مؤشرات مقلقة للغاية”.
غير أن هيئة تحرير الشام بقيادة أبومحمد الجولاني الذي صار يستخدم اسمه الحقيقي أحمد الشرع، قالت إنها أنهت ارتباطها مع تنظيم القاعدة عام 2016، لكنها لا تزال مصنفة “منظمة إرهابية” في الكثير من الدول الغربية، وأبرزها الولايات المتحدة.
وخرجت مظاهرات قبل يومين تطالب الجولاني بفتح سجون حلب وإطلاق سراح المئات ممن اعتقلهم، فيما حذر حقوقيون من تكرار سيناريو نظام الأسد تحت عناوين مختلفة.
وتقول مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “تشاتام هاوس” صنم وكيل لفرانس برس إن تصريحات قرقاش “تعكس تشكيك القيادة الإماراتية تجاه الجماعات الإسلامية بشكل عام”.
وتضيف أن “قادة الإمارات يرون أن كل الجماعات التابعة للإسلام السياسي، سواء كانت جماعة الإخوان المسلمين أو هيئة تحرير الشام، تشكل خطرا على نموذجهم من الحكم، واستنادا إلى تجربة تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية، يرون أن تأثير هذه الجماعات مزعزع للاستقرار في جميع أنحاء المنطقة”.
ولا تخفي السلطات في دولة الإمارات عدم ثقتها بالإخوان المسلمين. ومن ثوابت سياستها عدم التسامح مطلقا مع أي نموذج للإسلام السياسي. وفي العام 2014، صنّفت الدولة 83 مجموعة تنشط على المستوى العالمي ويقاتل قسم منها في سوريا في قائمة “التنظيمات الإرهابية”، وكان من بينها جماعة الإخوان.
وكانت أصدرت قبيل ذلك أحكاما بالسجن في حق عشرات من المتهمين بتشكيل خلايا لجماعة الإخوان المسلمين والعمل على قلب نظام الحكم، من ضمنها “جمعية الإصلاح” التي تمثل الإخوان المسملين في الإمارات وذلك بعد استنفاد جميع مراحل التقاضي.
وتمتلك الإمارات أجهزة أمنية على درجة عالية من الخبرة المشهود لها دوليا في مكافحة التنظيمات الإرهابية والتصدي لترويج التطرف في المنطقة وفي العالم، معتمدة على إستراتيجية شاملة توائم بين التشريعات الرادعة لتحركات التنظيمات الإخوانية والإرهابية الهادفة إلى زعزعة الاستقرار، وبين التوعية الدينية ونشر قيم التسامح ونبذ الكراهية على أساس ديني وطائفي.
ويقول أندرياس كريغ المحاضر في كلية الدراسات الأمنية في كينغز كوليدج بلندن لوكالة فرانس برس إن الإمارات حدّثت لائحة التنظيمات الإرهابية لديها، لكن اسم هيئة تحرير الشام لا يظهر فيها.
لكنه يشير رغم ذلك إلى أن “جبهة النصرة أُدرجت في العام 2014، لذا فإن هيئة تحرير الشام مشتقة من جبهة النصرة وبالتالي فهي مدرجة”.
وقادت الإمارات مساعي لإحياء العلاقات مع الرئيس بشار الأسد، وقامت بتطبيع العلاقات مع حكومته في عام 2018، كما ساهمت في جهود الإغاثة في أعقاب زلزال 6 فبراير/شباط 2023 الذي ضرب جنوب شرق تركيا وشمال سوريا.
وخلال العام الماضي، بدا أن الأسد يعود مجددا إلى الحضن العربي من بوابة القمة العربية التي حضرها بعد عزلة استمرت 12 عاما.
وتطلعت الإمارات إلى أن تكون الركيزة الأساسية لتسهيل إعادة الإعمار وبناء سوريا ما بعد الحرب التي وضعت أوزارها نوعا ما بعد اتفاق آستانا في العام 2017.
ويعتبر محللون أن الإماراتيين يرون في المشروع التركي في سوريا إشكاليا لأنه مدفوع جزئيا بالمصلحة الذاتية التركية بدلا من مصلحة بناء الاستقرار في سوريا.
وتلفت كريستين ديوان من معهد دول الخليج العربية في واشنطن إلى أن “الإمارات تتشاطر مخاوف جميع الدول العربية من أن تفقد سوريا وحدتها وسيادتها وترفض الإرهاب الدولي”، وهي بالفعل أبدت مخاوفها من رؤية البلاد تغرق في الفوضى، كما أن لديها انعدام ثقة عميق في أيديولوجية القادة الجدد في دمشق.