الاتفاق قادم والمنطقة هي الثمن.. وهاكمُ التفاصيل
الطريقة التي تُدار بها مفاوضات فيينا 2021 بين الغرب وإيران تشبه إلى حد كبير مفاوضات عام 2015.
فتلك الأخيرة أفضت في نهاية المطاف إلى توقيع اتفاق “روحاني-أوباما”، الذي وُصف آنذاك بـ”المشؤوم”، ليأتي الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب وينسحب منه.
وحين يستعرض المتتبع لمسار المفاوضات هذا الزخْم السياسي والإعلامي المرافق لهذا الحدث، من حيث سلبية التصريحات وعدم تفاؤل المسؤولين نحو العملية التفاوضية، لا يجد جديداً يُذكر، فالأسلوب ذاته من الجانبين تم اعتماده سابقاً، وفجأة سيُعلن عن توقيع الاتفاق.
ولدى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن فلسفتها الخاصة في تبرير سعيها لتوقيع الاتفاق النووي مع إيران، ولعل الكلام الأخير لـ”جيك سوليفان”، مستشار الأمن القومي الأمريكي، يشرح تلك الفلسفة الغريبة، فهذه الإدارة ترى أن الانسحاب من الاتفاق هو ما أطلق يد طهران لاستكمال برنامجها النووي المزعوم.
إن براغماتية الغرب المخيفة وغير المفهومة تجاه العَجَلة بتوقيع الاتفاق مردُّها حسابات انتخابية وأجندات حزبية مرتبطة برأس مال يُسيّر صناع القرار في أوروبا وأمريكا. في الوقت نفسه تتعرض الشراكة العربية الخليجية مع أمريكا والغرب لاختبار حقيقي حال تم إعادة الاتفاق النووي السابق، سيما أن قمة الخليج العربي الأخيرة في الرياض شددت في بيانها الختامي على ضرورة إشراك دول المنطقة في أي عملية تفاوضية مع نظام الملالي.
وبعد عام تقريباً على تولي “بايدن” السلطة في الولايات المتحدة، بدت إدارته سلبية للغاية حيال العبث الإيراني بالمنطقة، بل عمدت إلى تخفيف العقوبات عن إيران دون مقابل، وجاملتها على حساب أمن المنطقة وأمن الملاحة والتجارة الدولية.
ولعل العراق الضائع بين دولة القانون ودويلة الكاتيوشا شاهد قديم جديد على التالي: إذا كانت أمريكا لا تستطيع وقف هجمات الكاتيوشا التي تستخدمها المليشيات المدعومة من إيران، على سفارتها في العاصمة العراقية، فكيف تستطيع وقف البرنامج النووي الإيراني عبر الاتفاق المزعوم؟
وفي ظل المليشيات الإيرانية -التي هي أخطر شيء على دول المنطقة- تتحول البلدان التي تعبث بأمنها تلك المليشيات إلى ما يشبه الطائرة المخطوفة بكل معنى الكلمة، فالاقتحام لتحرير الرهائن مكلفٌ جداً، كما أن الخضوع باهظٌ للغاية.
هنا أصبح اليمن مثلا، الذي تعبث به وبأمن شعبه عناصر انقلابية من مليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران، دولة بلا قرار، لا حراك له ولا حل يلوح في الأفق، والسبب واضح ومعروف.. ابحث فقط عن التخريب الإيراني.
وحتى أوروبا في مسألة التفاوض مع إيران باتت رهينة، ولا خيار أمامها غير العودة للاتفاق السابق، بعد تنصل أمريكا منه، مع أن بعض دولها -كفرنسا- حريصة على إشراك دول المنطقة في أي تفاوض حول الملف النووي، غير أن أوروبا تندفع حيناً لاسترضاء الممسكين بحنفيات المهاجرين والغاز، فضلاً عن الإرهاب، وحالها في ليالي “الفُرس” بفيينا ليس أفضل من أحوالها السابقة والآنية.
وكما يتوقع الخبراء شتاءً أوروبياً قاسياً برفقة كورونا، يُتوقّع للديمقراطيات الغربية استمرار ضعفها في مواجهة الأوبئة الإرهابية والمليشياوية، التي تفتك بجسد الإقليم والعالم، على وقع اتفاق نووي غير منصف في شكله ومضمونه، كونه يوفر للغرب مُسكّنات ألم، ويترك دولاً في العالم العربي مثل سوريا والعراق واليمن ولبنان، تحت وطأة فيروس المليشيات الإيرانية.