الانقسام السياسي في أمريكا: مرشحان، رؤيتان، وبلدان في بلد واحد
في السياسة تختلف الحلول والسياسات، لكن أيضا يتباين توصيف الحالة باختلاف المنظور أو الأيديولوجيا، وهنا تفرض أمريكا نفسها كنموذج.
وخلال المؤتمرات الحزبية هذا الصيف، لم يقدم الديمقراطيون والجمهوريون رؤى مختلفة حول مستقبل الولايات المتحدة، وإنما قدموا أيضا صورا متباينة بشدة لما تبدو عليه البلاد.
وفي حين يرسم الجمهوريون صورة للعائلات التي تتعرض للسحق بفعل التضخم والخوف من الجريمة وتهديدات الأجانب، يعتبر الديمقراطيون أن هذه الصورة مبالغ فيها وأن الخطر الحقيقي يكمن في تهديد الإدارة الجمهورية المحتملة لحقوق الأمريكيين وسيادة القانون استنادا لما جرى في إدارة دونالد ترامب الأولى.
هذه الروايات المتناقضة تعد الركيزة الأساسية لاستراتيجيات الحملات الجديدة لسباق البيت الأبيض بعد انسحاب الرئيس الأمريكي جو بايدن، ونزول نائبته كامالا هاريس إلى الحلبة في مواجهة الرئيس السابق والمرشح الجمهوري ترامب.
ويسوق ترامب لنفسه باعتباره المخلص القوي الذي يمكن للناخبين الوثوق به لدرء المخاطر الوجودية التي تهدد البلاد حاليا، في حين تؤكد هاريس على إنجازات الإدارة الحالية التي تقول إنه يمكن البناء عليها.
وقامت “بوليتيكو” بتحليل الخطابات خلال مؤتمر الحزب الديمقراطي ومؤتمر الحزب الجمهوري، في محاولة لفهم رؤية الحزبين للولايات المتحدة بصورة أفضل.
التضخم
كان التضخم واحدا من القضايا الرئيسية في المؤتمرين، حيث يرى الجمهوريون أنه يسحق الأمريكيين، أما الديمقراطيون فيؤكدون أنه يمثل أزمة، لكن يتحدثون عن معالجة القدرة على تحمل التكاليف.
ويأتي التضخم في صلب الرسائل الجمهورية خلال السنوات القليلة الماضية في ظل ما تظهره استطلاعات الرأي من إحباط للناخبين بسبب ارتفاع الأسعار، لكن الحقائق المحيطة بالقضية تمنح الجانبين الفرصة لرسم صورته الخاصة مع صدمة ارتفاع التضخم في وقت مبكر من ولاية بايدن وأيضا تباطؤه الكبير بعد ذلك.
وأثار ترامب التضخم عشرات المرات في خطابه في المؤتمر، وقال إنه “أزمة لا يمكن تحملها” و”قضى على مدخرات المواطنين”، وتسبب في “اكتئاب ويأس الطبقة المتوسطة”، مؤكدا أنه سيتلاشى في ظل رئاسته.
في المقابل، استخدم الديمقراطيون مصطلح “التضخم” بشكل ضئيل، وعندما ذكروه قالوا إنه “يتراجع إلى حد كبير”، لكنهم اعترفوا بالتحدي الأساسي الذي يطرحه، مع إلقاء اللوم على جشع الشركات والتلاعب بالأسعار ومناقشة خطط لمعالجته من خلال قضايا مثل الإسكان والرعاية الصحية ورعاية الأطفال.
الحدود
كان الديمقراطيون في موضع دفاع عند الحديث عن قضية الحدود، وتحدثت السيناتور كاثرين كورتيز ماستو عن عمل هاريس كمدعية عامة وكيف عملت على “حماية الحدود الجنوبية” من خلال وضع “المجرمين ومهربي المخدرات خلف القضبان”، أما كامالا، فانتقدت ترامب بسبب دوره في إنهاء مشروع قانون أمن الحدود.
ويعكس التركيز على أمن الحدود تحولا في خطاب الديمقراطيين حول الهجرة مقارنة بضغطهم السابق من أجل سياسات ترحيبية بالمهاجرين كرد فعل عنيف على قيود ترامب المتشددة في ملف الهجرة.
لكن المشاعر العامة تحولت بشكل ملحوظ مع زيادة عدد المهاجرين خلال السنوات القليلة الماضية.
وسعى الجمهوريون للاستفادة من التغييرات في الرأي العام حيث ذكروا مصطلح “الحدود” أكثر من 100 مرة في مؤتمرهم وأطلقوا على هاريس اسم “قيصر الحدود”، ووصفوا تدفق المهاجرين بأنه “غزو للمجرمين والفقر”.
-
دونالد ترامب يدعو الرئيس جو بايدن إلى تقديم استقالته
-
“الغشاش” هكذا وصف جو بايدن في أول مؤتمراته بعد 65 يومًا على وصوله للمنصب
ورغم سعيهم لتشديد التدابير الأمنية للحدود والحد من طلبات اللجوء، يذهب الجمهوريون إلى أبعد من ذلك، ويدعمون خطة ترامب لـ”أكبر عملية ترحيل في تاريخ بلدنا”.
الجريمة
سعى الجمهوريون إلى تصوير المدن الأمريكية الكبرى كأماكن للاضطراب، وقال ترامب إنه في حال هزيمته في الانتخابات فقد يتعين عقد المؤتمر الجمهوري القادم في فنزويلا لأن المدن الأمريكية “ستكون غير آمنة للغاية”.
وارتفعت معدلات الجريمة العنيفة في 2020 قبل أن تتراجع، لكن استطلاعات الرأي أظهرت أن القلق بشأن الجريمة لا يزال يتصاعد خاصة بين الجمهوريين.
وسعى الديمقراطيون إلى تسليط الضوء على الإحصاءات، إذ أشار بايدن إلى “انخفاض الجريمة العنيفة إلى أدنى مستوى منذ أكثر من 50 عامًا”.
وأشاد مرشح الحزب لمنصب نائب الرئيس وحاكم ولاية مينيسوتا تيم والز بجهود هاريس في “الاستثمار في مكافحة الجريمة” في ولاية كاليفورنيا.
مخاطر الخصوم الأجانب
وخلال المؤتمر، رسم الجمهوريون صورة للعالم بأنه أصبح أقل أمانًا خلال رئاسة بايدن مع الحديث عن تهديدات إيران والصين، لكن الديمقراطيين تحدثوا عن البلدين في إطار المنافسة وليس التهديد الكارثي.
واعتبر الديمقراطيون أن ترامب وليس الوضع الراهن هو الخطر الحقيقي، واستشهدوا بتعليقاته السابقة حول الزعيم الروسي فلاديمير بوتين والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون.
ويتفق الديمقراطيون والجمهوريون على دعم إسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها وإدانة حماس.
لكن العديد من الديمقراطيين تطرقوا إلى محنة الفلسطينيين في غزة ودعوا إلى وقف إطلاق النار، في حين ركز الجمهوريون على ضمان قدرة إسرائيل على تدمير خصومها.
الإجهاض
قبل المؤتمر، نفى ترامب أنه سيصدر حظرًا وطنيًا للإجهاض ولكنه تجاهل القضية هو وغيره من الجمهوريين خلال خطاباتهم في المؤتمر، وهو ما يمثل تحولا عن مواقفهم السابقة التي ركزت على مناهضة الإجهاض الذي يعتبره الديمقراطيون قضية رئيسية.