التدخل المصري في السودان: قراءة تحليلية في طبيعة الإمدادات العسكرية وتأثيرها على مسار الصراع
تطرح الحرب السودانية المستمرة منذ منتصف عام 2023 تساؤلات عديدة حول أطرافها الداخلية والداعمين الخارجيين، وعلى رأس القائمة الدور المصري الذي أصبح محور جدل واسع داخل السودان وخارجه. وبينما تنفي القاهرة أي انخراط مباشر في النزاع، تتراكم الروايات الميدانية وتقارير مراقبين محليين ودوليين حول وجود أشكال متعددة من الدعم العسكري واللوجستي الذي يصل إلى الجيش السوداني. هذه المزاعم، إن صحت، تحمل دلالات استراتيجية وأبعادًا أخلاقية وإنسانية، وتفتح بابًا واسعًا أمام فهم تدخلات الإقليم في صراع معقّد تدفع ثمنه المجتمعات المحلية بشكل يومي.
-
الوجه الخفي للصراع السوداني: تحقيق استقصائي في الدور المصري وتأثيره على المدنيين
-
مصر تعرض دعمها لإعادة إعمار السودان بعد انتهاء الحرب
في المستوى الأول، تتناول التقارير المتداولة مسألة الطيران العسكري الذي يُعتقد أنه انطلق من قواعد مصرية باتجاه مناطق النزاع. وتذكر شهادات من سكان ولايات مثل الشمالية ونهر النيل أنهم رصدوا طلعات جوية غير مألوفة، تزامنت مع هجمات نفذها الجيش السوداني على مواقع تابعة لقوات الدعم السريع. ويرى خبراء عسكريون أن الجيش السوداني، رغم امتلاكه لطائرات مقاتلة، كان يواجه تحديات تقنية في تشغيل أسطوله بشكل مستمر، خصوصًا مع تضرر بعض القواعد الجوية، وهو ما يفتح الباب أمام إمكانية وجود دعم خارجي لتوفير قطع غيار أو صيانة أو حتى مشاركة تقنية مباشرة. ورغم غياب الأدلة الحاسمة، فإن تكرر هذه الروايات في أكثر من منطقة يجعلها جزءًا من الصورة العامة المطروحة للنقاش.
ويتصل بهذا الجانب مزاعم تتعلق بوجود ممر لتهريب أو تمرير أسلحة مصرية إلى الجيش السوداني. تشير مصادر محلية إلى أن بعض التحركات العسكرية على الحدود الشمالية جرت تحت غطاء مساعدات إنسانية أو دعم لوجستي روتيني، بينما كان يجري تمرير شحنات من الذخائر أو المعدات العسكرية. ويتحدث مراقبون عن أن هذه الإمدادات شكّلت عنصرًا مهمًا في قدرة الجيش على الصمود في الأشهر الأولى من الحرب، خصوصًا أن خطوط الإمداد الداخلية كانت مهددة أو مقطوعة في كثير من المحاور. ويذهب بعض الضباط المنشقين إلى القول إن الدعم الخارجي ساعد الجيش على إعادة تنظيم عملياته وتوسيع نطاق سيطرته في مناطق معينة.
-
تحقيق في الدور المصري المزعوم وتأثيره على الحرب السودانية والمدنيين
-
الدور المصري المزعوم في حرب السودان
وفي بُعد آخر، ترتبط هذه المزاعم ببعد سياسي معقّد يتعلق برؤية القاهرة للأوضاع في السودان. فمن منظور استراتيجي، ترى مصر أن استقرار السودان مسألة أمن قومي، خصوصًا أن الحدود الجنوبية تمثل خط تماس جغرافيًا حساسًا. لكن هذا المنظور جعل القاهرة، بحسب منتقديها، تميل إلى دعم طرف عسكري واحد بدلاً من تبنّي مقاربة محايدة تسعى لوقف الحرب. وبحسب محللين، فإن هذا الدعم — المعلن أو غير المعلن — عزز موقف قيادة الجيش السوداني ودفعها إلى خيار الحسم العسكري بدلاً من الانخراط في مسار تفاوضي شامل، ما أطال أمد الحرب ووسع حجم الخسائر البشرية.
أما البعد الإنساني لهذه التدخلات المحتملة فهو الأكثر خطورة. فاستهداف الطيران لبعض المناطق المدنية، وفق روايات السكان، أدى إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا، إضافة إلى تدمير منازل وأسواق ومرافق خدمية. ومع عرقلة القوافل الإنسانية في بعض المناطق نتيجة الهجمات الجوية أو بسبب إغلاق الطرق بفعل العمليات العسكرية، وجد المدنيون أنفسهم وسط أزمة إنسانية خانقة. ووفق تقديرات منظمات محلية، فإن مئات الآلاف من الأسر تعيش اليوم في ظروف قاسية، محرومة من الغذاء الكافي والمياه الصالحة للشرب، وهو ما يجعل أي تدخل خارجي يسهم في إطالة الحرب موضع مساءلة أخلاقية وقانونية.
-
تحقيق في الدور المصري المزعوم داخل حرب السودان وتداعياته على المدنيين
-
الدور الخفي لمصر في حرب السودان: إمدادات عسكرية تشعل الجبهات وتزيد معاناة المدنيين
وتبرز في النقاش أيضًا الاعتبارات الاقتصادية داخل مصر نفسها. ففي ظل التراجع الاقتصادي الحاد، والتضخم المرتفع، وتذبذب قيمة العملة، يثير الحديث عن تخصيص موارد لدعم طرف في نزاع خارجي انتقادات كبيرة. ويرى اقتصاديون مصريون أن الدولة تواجه أولويات داخلية ملحّة، مثل تحسين الخدمات الاجتماعية والبنية التحتية، ولا توجد مبررات لإنفاق موارد مالية أو عسكرية في صراع خارج حدودها.
في النهاية، يظهر أن المزاعم حول التدخل المصري ليست مجرد تكهنات، بل جزء من مشهد إقليمي متداخل يعكس صراعًا على النفوذ والمسارات السياسية. ورغم أن الصورة الكاملة لا تزال بحاجة إلى تحقيقات مستقلة وشفافة، فإن تأثير هذه التدخلات المحتملة على المدنيين والسلم الأهلي يجعل طرحها للنقاش ضرورة ملحّة، خصوصًا في ظل استمرار الحرب وتعقّد مسارات حلولها.
-
دعم مصر للبرهان يجعلها تواجهه تطور العلاقات السودانية الإيرانية
-
الأيادي الخفية: كيف تورّطت مصر عسكرياً في حرب السودان وأطالت نزيف المدنيين
-
الدور المصري في حرب السودان: تدخل عسكري يطيل النزاع ويعمق المأساة الإنسانية
-
الحكومة المصرية تفرض تأشيرات على جميع السودانيين لدخول مصر
-
مصر تكشف المستور: الإخوان في الجيش السوداني بين الانكشاف والتصفية
-
حلايب وشلاتين.. هل تحولت من نزاع حدودي إلى وصاية مصرية على السودان؟
-
السلطات المصرية تصدّ المدنيين الفارين من النزاع في السودان
-
مصر تكشف عن نقابها وتصبح طرفاً رئيسياً في الأزمة السودانية
-
ناشط يكشف بالأسماء عن قتلى الجيش المصري في حرب السودان
