الجيش الإسرائيلي يوسع نطاق ضرباته في لبنان ليشمل البلدات السنية
قُتل العشرات من النازحين من جنوب لبنان في غارة استهدفت أطراف بلدة برجا السنّية الواقعة على بعد نحو 28 كيلومترا من بيروت، بينما بات الآلاف من الهاربين من جحيم الحرب عاجزين عن إيجاد مأوى يحتمون فيه من القصف الإسرائيلي.
في غرفة تبعثرت محتوياتها وتتوسط فجوة كبيرة أحد جدرانها، جلس موسى زهران يتحسّر على جيرانه النازحين من جنوب لبنان الذين قضوا ليلا بغارة إسرائيلية بعدما ظنّوا أنهم وجدوا الأمان في برجا جنوب بيروت.
ويقول زهران الذي ما زال تحت هول الصدمة بينما قدماه ملفوفتان بضمادات وزوجته تتلقى العلاج مع طفله الوحيد في المستشفى، “هربوا من الموت، لكن الموت كان ينتظرهم هنا”.
واستهدفت غارة إسرائيلية ليل الثلاثاء من دون إنذار شقة في الطابق السفلي من مبنى مؤلف من أربع طبقات على أطراف بلدة برجا الواقعة على بعد نحو 28 كيلومترا من بيروت، تقطن فيه عائلات نازحة من جنوب لبنان.
وأسفرت الغارة عن مقتل عشرين شخصا، وفق حصيلة أوردتها ليلا وزارة الصحة، لكن مسؤولا ميدانيا من الدفاع المدني اللبناني قال صباح اليوم الأربعاء من موقع الغارة إن فرق الإنقاذ سحبت قرابة ثلاثين جثة، الجزء الأكبر منها يعود لنساء وأطفال.
وبحسب رئيس بلدية برجا العميد المتقاعد حسن سعد، كانت ثلاث عائلات نازحة تقيم في الشقة المستهدفة، موضحا أن الضحايا جميعهم من خارج البلدة.
وخلف المبنى الذي يقع على تلة مشرفة على البحر، تنهمك فرق الإنقاذ في البحث عن ضحايا ما زالوا عالقين تحت أنقاض الطابق المستهدف الذي تكدّست فوقه طبقات ركام انهارت من الطوابق العليا.
وبينما تعمل جرافة على رفع الركام، يرمي عنصر من الدفاع المدني أكواما من الثياب والقماش من الطابق الأول، بينما ينتشل آخر ثلاث حقائب مدرسية محشوة بالكتب، إحداها زهرية اللون ومزينة بقلوب، ويضعها جانبا.
وأمام باحة شقته في مبنى ملاصق للمبنى الذي طاله القصف، يكرّر زهران المقيم في البلدة منذ نحو عقد من الزمن، شكر الله على نجاة ابنه الوحيد.
ويروي زهران لحظات القصف قائلا “كنت أهمّ بالنوم، وبينما كنت أحضن طفلي وأقبّله سمعت دويّا وانفجرت الدنيا كلها من حولي”، مضيفا “وصلت النيران الى قدميّ… وأصيبت زوجتي وطفلي بجروح”.
وعندما خرج من منزله، أدرك أن غارة اإسرائيلية استهدفت الشقة المجاورة. ويتابع “أكثرية المقيمين فيها عائلات استأجرت شققا” بعد نزوحها من جنوب لبنان، بينهم عائلة نزحت قبل ستة أسابيع.
ويقول إنه أعطاهم “كراسي وفرشا (…). لم نر شيئا منهم وكان أطفالهم يلهون أمام شقتي”، مضيفا بحزن “ماتوا جميعهم. حزنت عليهم كثيرا”.
“هربوا من الموت، لكن الموت كان ينتظرهم هنا”.
ويعمل عناصر الدفاع المدني على رفع الركام. ويقول مسؤول ميداني، من دون الكشف عن اسمه، “ثمة ضحايا في الطابق السفلي لكن ثمة تضارب في روايات الجيران حول عددهم” ويروي بتأثر “وجدنا جثث أطفال على الأدراج.. وأشلاء في كل مكان”.
من شقة تصدعت واجهتها الخلفية، تظهر غرفة جلوس صمد منها تلفاز معلق وكرسيان وفي شقة أخرى، تبدو مقتينات المطبخ مبعثرة. على الأرض، ثياب وأسلاك وفرش وإطارات نوافذ وحجارة كبيرة.
وليست المرة الأولى التي تُستهدف فيها شقة سكنية في بلدة برجا التي تقطنها غالبية سنية في منطقة الشوف، ففي 12 أكتوبر/تشرين الأول قتل أربعة أشخاص وأصيب 18 آخرون في غارة اسرائيلية استهدفت شقة سكنية في البلدة.
وناشدت خلية الأزمة في بلدية برجا حينها في بيان “كل من يكون مستهدفا أو معرضا للخطر أن يبتعد عن البلدة”، داعية الجهات المعنية إلى العمل من أجل تهدئة الأوضاع وحماية المدنيين الأبرياء ووأد الفتنة التي يسعى إليها العدو الإسرائيلي”.
وجدّد رئيس البلدية اليوم الأربعاء توجيه النداء “لضمان ألا نعرّض أهلنا وضيوفنا للخطر، مع استقبال البلدة أكثر من 27 ألف” نازح من مناطق يطالها القصف الإسرائيلي.
ويقطن في البلدة التي تعدّ من كبرى بلدات منطقة الشوف، 35 ألف شخص من أبنائها، يضاف إليهم قرابة عشرة آلاف لاجىء سوري، وفق البلدية.
وتشنّ اسرائيل بين الحين والآخر غارات دامية على بلدات وقرى تقع خارج المعاقل التقليدية لحزب الله، تستهدف سيارات أو أشخاصا أو شققا سكنية. وتحدثت تقارير مرات عدة عن ارتباط الأهداف بحزب الله، بينما يثير ذلك حساسيات وارتيابا وتوترات في المناطق التي يريد سكانها أن يبقوا في منأى عن الحرب.
على بعد أمتار من المبنى المستهدف، يجلس محمود (54 عاما)، هو عسكري متقاعد، مع عائلته أمام شرفة منزلهم الذي تحطّم زجاج نوافذه جراء عصف الغارة.
ويقول الرجل الذي نزح من بلدة يارين الحدودية “لا وجود عسكريا هنا ويُفترض أننا كنا نشعر بأمان وفجأة تغيّر كل شيء”، متابعا “هذه هي إسرائيل، تريد أن تزرع الخوف والرعب والتفرقة بين الناس، وأن تقول أنتم لستم آمنين في أي منطقة كنتم”.
وفي تطور ميداني أكدت سلطة المطارات الإسرائيلية اليوم الأربعاء أن حركة الملاحة في مطار بن غوريون الرئيسي قرب تل أبيب لم تتأثر بعد إعلان حزب الله اللبناني إطلاق صواريخ على قاعدة عسكرية بالقرب منه.
وقالت المتحدثة باسم سلطة المطارات ليزا دفير “مطار بن غوريون مفتوح ويعمل بشكل طبيعي للإقلاع والهبوط، لم تقع أي حوادث سقوط على المدرج”.