اخترنا لكم

الخدمة الوطنية والاستثمار في الثروة البشرية المواطنة

يوسف جمعه الحداد


يعد مشروع الدراسة الجامعية لمنتسبي الخدمة الوطنية الذي تم إطلاقه قبل أيام.

من جانب “هيئة الخدمة الوطنية والاحتياطية” بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، مبادرة نوعية تستهدف الاستثمار الأمثل لفترة الخدمة الوطنية في توفير مسار تعليمي عصري لهؤلاء المنتسبين، خاصة في ظل نجاح تجربة التعليم الرقمي التي تطبقها الدولة بكفاءة عالية منذ ظهور جائحة كورونا نهاية عام 2019، كما تؤكد هذه المبادرة أن مشروع الخدمة الوطنية منذ إطلاقه في عام 2014 لم يكن يستهدف فقط رفد القوات المسلحة بدماء جديدة من شباب الوطن، وتدريبهم وتأهيلهم ليكونوا على أهبة الاستعداد للدفاع عن الوطن، وإنما أيضاً المساهمة في إعداد الثروة البشرية المواطنة، والاستثمار في قدراتها لتمثل إضافة حقيقية إلى قوة العمل الوطني.

ولا شك في أن هذا المشروع الذي يسمح لجميع المنتسبين من طلبة الثاني عشر خريجي العام الدراسي 2020/2021، الذين سيلتحقون بالدفعة الـ16 والدفعات التي تليها بدراسة المساقات الجامعية بنظام التعليم عن بُعد، بهدف ضمان مواصلة الطالب دراسته الجامعية في أثناء فترة الخدمة الوطنية، يجسد حرص القيادة الرشيدة في الإمارات على تشجيع الشباب على توظيف فترة الخدمة الوطنية بشكل فاعل، والاستفادة من الإمكانيات التي تتيحها لهم القوات المسلحة في استكمال دراساتهم الجامعية، خاصة أن فترة الخدمة الوطنية، بما تحدثه من تأثير إيجابي في شخصية الطلاب وإكسابهم مهارات متنوعة وبما تغرسه فيهم من قيم المسؤولية والالتزام والجدية وحسن التخطيط وإدارة الوقت، تمثل فترة إعداد نموذجية لهم، وتحفزهم على مواصلة التعلم وتطوير المهارات فيما بعد؛ لأنه حينما ينخرط هؤلاء الشباب في مشروع الدراسة الجامعية عن بُعد أثناء فترة الخدمة الوطنية فسيكتسبون خبرات ومهارات نوعية ستستمر معهم بعد ذلك، وهذا هو جوهر فلسفة مشروع الخدمة الوطنية، الذي استطاع خلال السنوات الماضية أن يكون أحد الروافد المهمة في تنمية الثروة البشرية المواطنة؛ حيث تتضمن البرامج التدريبية التي يوفرها لمنتسبيه المهارات النوعية، التعليمية والتربوية والقيادية، وهي المهارات التي يحتاج إليها الشباب في حياتهم المستقبلية.

في الوقت ذاته، فإن مشروع الدراسة الجامعية لمنتسبي الخدمة الوطنية يواكب التطورات والمستجدات العالمية التي تنظر إلى المؤسسات العسكرية من منظور متكامل، يأخذ في الاعتبار الجوانب الفنية المتخصصة والتعليمية والتربوية والقيادية، ويضع قيم التعلم والابتكار والتطوير ضمن معايير تقييم القوات المسلحة ودورها في خدمة المجتمع، ولعل هذا ما يفسر حرص القوات المسلحة في الدول المتقدمة على توفير فرص التعليم النوعي والمتميز للمنتسبين إليها، فعلى سبيل المثال فإن القوات المسلحة الأمريكية لديها برنامج واسع النطاق للتعليم والتدريب، يتيح فرصة الحصول على تعليم جامعي للأفراد الموجودين في الخدمة الفعلية، وكل سلاح من الأسلحة يشجع أفراده على حضور الدورات الدراسية الجامعية، التي تقدم لبعض الوقت، ويوفر المساعدة المالية، ويقوم في بعض الأحيان بتعديل الجدول حتى يجعل ذلك ممكناً، ولهذا فإن سماح الخدمة الوطنية لمنتسبيها بالالتحاق بالتعليم الجامعي يواكب الأدوار الجديدة للمؤسسة العسكرية في العصر الحديث، والتي تتضمن القيام بمهام تربوية وتعليمية متكاملة، والمساهمة في تنشئة الشباب على القيم الإيجابية التي تعمق لديهم الإحساس بالمسؤولية والالتزام.

وإضافة إلى ما سبق، فإن التحاق منتسبي الخدمة الوطنية بمشروع الدراسة الجامعية عن بعد لا ينفصل عن فلسفة التحديث والتطوير المستمر التي تتبناها القوات المسلحة في دولة الإمارات، والتي تستهدف الارتقاء بمهارات العنصر البشري، باعتباره الأساس في تطورها وتفوقها؛ لأنه مهما كانت أهمية التكنولوجيا العسكرية فإنها يجب أن تترافق مع عنصر بشري مدرب ومتعلم ومؤمن بدوره وبالمهمة السامية الملقاة على عاتقه، ويمتلك إرادة القتال والتضحية والثقة بالنفس، وهذا هو أحد أهداف مشروع الخدمة الوطنية التي تستهدف رفع كفاءة العنصر البشري المواطن، مادياً وتعليمياً وتقنياً واجتماعياً، فخطط التدريب التي يتلقاها الشباب خلال هذه الفترة لا تقتصر فقط على التأهيل العسكري وإجادة التعاطي مع أحدث الأسلحة والمعدات في العالم، بل تتضمن أيضاً تنمية المهارات الثقافية والفكرية والمهنية والقيادية التي تضعه على الطريق الصحيح بعد تخرجه.

تمتلك القوات المسلحة في دولة الإمارات تجربة ثرية في مجال التعليم، ولديها منظومة متطورة من المعاهد والمدارس والكليات العسكرية النوعية التي تقدم مستوى تعليميا متميزا لمنتسبيها، تمهيدا لإلحاقهم بوحداتهم العسكرية المختلفة وهم مزودون بشتى أنواع المعارف والعلوم العسكرية والمدنية، والتي تجعلهم قادرين بالفعل على مواكبة المفاهيم الحديثة والأفكار والرؤى التي تدعم خطط تطوير القوات المسلحة وتجعل منها مؤسسة متطورة.

في الوقت ذاته، فإن نوعية التعليم الذي توفره القوات المسلحة من خلال معاهدها وكلياتها المختلفة يجمع بين الثقافة التخصصية والثقافة العامة؛ حيث لا يركز فقط على النظريات العسكرية أو تعلم مهارات وفنون القتال، وإنما يشمل أيضاً أساليب الإدارة الحديثة، وقواعد علم الاستراتيجية وفنون الإدارة وأصول القيادة، وهي مجموعة المعارف التي تسهم في بناء الشخصية وصقلها.

ولا شك في أن إعلان الخدمة الوطنية عن مشروع التعليم الجامعي عن بُعد لمنتسبيها في عام الخمسين، وهو العام الذي تحتفي فيه الإمارات باليوبيل الذهبي لتأسيسها، وتستعد خلاله أيضاً للانطلاق إلى مرحلة جديدة في مسيرتها التنموية للخمسين عاماً المقبلة، عبر استراتيجية طموحة تعتمد على الشباب المتسلح بالعلم والمعرفة ومنظومة القيم الإيجابية، إنما يعكس في جوهره ما تتمتع به القوات المسلحة من فكر استشرافي يواكب المستقبل، والتزام بالمسؤولية الوطنية في أن تكون في مقدمة المؤسسات التي تشارك في ترجمة طموحات الإمارات المستقبلية كما كانت خلال العقود الخمسة الماضية، فلم تكن فقط قوة للدفاع عن الوطن، والحفاظ على مقدراته المختلفة، وإنما أسهمت بدور فاعل ورئيسي في تعزيز مكتسباته التنموية، وتأهيل الكوادر المواطنة للعمل في مختلف مجالات العمل الوطني، وها هي تتعاون الآن من خلال هذا المشروع مع مؤسسات التعليم العالي في تنمية العنصر البشري المواطن، وتأهيله ليكون على أهبة الاستعداد للانخراط في رحلة الإمارات التنموية للخمسين عاماً المقبلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى