المغرب العربي

الدبيبة يتحرك: إقالة أسامة نجيم لتجنب الضغوط الدولية والداخلية


أقالت حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، يوم الأحد، اللواء أسامة نجيم من رئاسة جهاز الشرطة القضائية، وعيّنت اللواء عبدالفتاح أبو القاسم سالم دبوب خلفًا له في خطوة وُصفت بأنها جزء من ترتيبات أمنية أوسع وإعادة تموضع داخل العاصمة طرابلس، وللحد من ضغوط داخلية وخارجية تتهم الحكومة بربط علاقات مع شخصيات مدانة دوليا ومحليا بجرائم وانتهاكات.
ويُعد هذا التحول اللافت في قيادة أحد أبرز الأجهزة السيادية، تطورًا ذا دلالات تتجاوز مجرد التغيير الإداري، إذ تشير مصادر مطلعة إلى أن إقالة نجيم جاءت على خلفية ارتباط اسمه بملفات تتعلق بانتهاكات جسيمة وجرائم مفترضة، بعضها موضوع تحقيقات دولية.
اللواء أسامة نجيم، الذي شغل منصب رئيس جهاز الشرطة القضائية لفترة مؤثرة، لطالما كان موضع جدل داخل الأوساط الحقوقية والإعلامية المحلية والدولية، خصوصًا بعد ورود اسمه في تقارير تربطه بـانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، واستخدام مراكز الاحتجاز في ليبيا لأغراض تتعارض مع المعايير القانونية الدولية.
وكانت محكمة الجنايات الدولية قد أدرجت نجيم ضمن قائمة من الأسماء المطلوب ملاحقتها، فيما طالبت منظمات حقوقية ليبية ودولية، مرارًا، بضرورة تسليمه أو إخراجه من أي موقع تنفيذي أو أمني، لما يشكّله من تهديد للعدالة، وعرقلة لملاحقة مرتكبي الجرائم.
وسبق للسلطات الإيطالية أن احتجزته مؤقتًا، قبل أن تفرج عنه لاحقًا، ليعود إلى ليبيا ويواصل أداء أدوار أمنية رفيعة، وسط انتقادات واسعة آنذاك لحكومة الدبيبة بشأن إبقاء شخصيات مثيرة للجدل في مناصب عليا.
القرار الأخير يأتي بالتوازي مع تنفيذ اتفاق أمني جديد في العاصمة طرابلس، أُبرم بين حكومة الوحدة الوطنية وجهاز الردع، بوساطة تركية، وإشراف مباشر من المجلس الرئاسي الليبي. ويُعد هذا الاتفاق محاولة لاحتواء التوترات الأمنية المتصاعدة التي شهدتها طرابلس خلال الأشهر الماضية، وإعادة ضبط النفوذ داخل مؤسسات الدولة.
وبحسب ما أفادت به مصادر مطلعة على فحوى الاتفاق، فإن من بين أبرز بنوده تسليم الأشخاص المطلوبين دوليًا إلى القضاء المحلي، وتحديد قائمة رسمية بهؤلاء من قبل مكتب النائب العام، بمن فيهم أولئك الذين يشغلون مناصب سيادية.
ويُفهم من تعيين اللواء دبوب خلفًا لنجيم، أن الحكومة شرعت فعليًا في تطبيق هذه البنود، في مسعى لخفض التوترات مع جهاز الردع من جهة، ومع الضغوط الدولية المتزايدة من جهة أخرى.
وتحمل خطوة تغيير قيادة الشرطة القضائية في طياتها رسالة واضحة بأن حكومة الدبيبة تحاول إعادة هيكلة مؤسساتها الأمنية والقضائية، في ظل تصاعد الانتقادات ضد استمرار نفوذ قادة مجموعات مسلحة في مفاصل الدولة.
ويرى مراقبون أن القرار يُعبر عن محاولة لفك الارتباط مع شخصيات محاطة بشبهات أو عليها تحفظات دولية، في سياق التمهيد لتحولات أوسع في سياسة الدولة تجاه ملف العدالة والمساءلة.
كما أن هذه الإقالة قد تمهد الطريق لتغييرات أخرى مرتقبة داخل الأجهزة الأمنية، خصوصًا في ضوء الدعم الإقليمي والدولي لخطة إصلاح مؤسسية داخل ليبيا، تركز على فصل النفوذ المسلح عن مؤسسات الدولة.
ورغم أن القرار لم يُعلَن بشكل مباشر أنه جاء بسبب ملفات انتهاكات، إلا أن التوقيت والظروف المصاحبة له تؤكد أن حكومة الدبيبة اختارت التنصل من شخصيات مثقلة بالاتهامات، في محاولة لتخفيف الضغوط الداخلية والدولية، وتجنب مزيد من العزلة.
وتنتظر الأوساط الحقوقية والدولية الخطوات المقبلة من الحكومة الليبية، لا سيما في ما يخص تنفيذ التزاماتها بشأن ملاحقة المتورطين في الجرائم الجسيمة، وتفعيل دور القضاء بشكل مستقل وفعّال.
وفي المحصلة، يبدو أن إقالة أسامة نجيم ليست سوى بداية لتحوّل تدريجي في المشهد الأمني والسياسي في ليبيا، تحوّلٌ تحركه عوامل محلية وإقليمية ودولية، وتُراقبه العواصم الكبرى باهتمام، كجزء من مستقبل الاستقرار في البلاد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى