إيران

القضاء الإيراني يتحرّك ضد منظّمي ماراثون بعد جدل حول الحجاب


يُعدّ الإعلان عن الملاحقات القضائية لمنظمي ماراثون جزيرة كيش الإيرانية، على خلفية مشاركة النساء فيه دون حجاب، حلقة جديدة في مسلسل مساعي النظام السلطوي لإعادة فرض الانضباط لقواعد اللباس الصارمة، وإنهاء حالة التمرد المتنامية في صفوف الفتيات.

وتمثل المشاركة العلنية للنساء في فعالية رياضية دون ارتداء الحجاب تحدياً صريحاً للضوابط الرسمية. والأهم هو حدوث ذلك في جزيرة كيش السياحية، التي غالباً ما كانت تتمتع بهامش تساهل أكبر نسبياً، نظراً لطبيعتها التي تجذب الاستثمار والسياح. هذا الاختيار للمكان يزيد من رمزية التحدي.

وبات لافتاً خلال الآونة الأخيرة عدم ارتداء العديد من الفتيات والنساء للحجاب في الشوارع والأماكن العامة في إطار مقاومة مدنية. ويظهر امتداد هذه المقاومة إلى فعالية منظمة وكبيرة مثل الماراثون تغلغل التمرد في نسيج الحياة العامة وصعوبة عزله أو حصره.

وانتقد بعض النواب ورجال الدين المتشددين التغاضي المؤقت من قبل بعض الجهات المحلية أو الأمنية عن عدم التقيد بقواعد اللباس، وهو ما أتاح أصلاً تنظيم الفعالية بهذا الشكل. ويُنظر إلى هذا التراخي على أنه فشل يجب تداركه.

وتشير ملاحقة القضاء لمنظمي الماراثون إلى تحول في استراتيجية فرض الانضباط. فبدلاً من التركيز فقط على معاقبة كل امرأة على حدة في الشارع (وهو أمر مرهق ومثير للجدل)، بدأ الدفع نحو معاقبة الأطراف المسؤولة عن توفير فضاءات التحدي، مثل منظمي الفعاليات أو أصحاب الأعمال. والهدف هو إنهاء التحدي من جذوره.

وتؤكد السلطة القضائية والبرلمان الإيراني باستمرار على ضرورة تطبيق قانون “العفة والحجاب” الجديد الأكثر تشدداً، الذي يتضمن فرض عقوبات أشد قد تشمل الحرمان من الخدمات، أو الغرامات الكبيرة، أو السجن.

وبعد فترة من اختفاء “شرطة الأخلاق” والتراجع الواضح في تطبيق القانون عقب الاحتجاجات التي هزت الجمهورية الإسلامية إثر مقتل الشابة مهسا أميني عام 2022 بسبب مخالفتها لقواعد اللباس الصارمة، تسعى المؤسسة الحاكمة لإرسال رسالة مفادها أن الدولة لم تتخل عن مبادئها الأساسية، وأن التحدي العلني لن يمر دون عواقب، في محاولة لاستعادة هيبة السلطة المركزية.

ويكشف الضغط البرلماني والقضائي عن وجود خلافات داخل النظام. فبينما يرى تيار متشدد أن التهاون هو هزيمة يجب تداركها، يعتبر شق آخر أن الإفراط في القمع يفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية ويزيد من عزلة النظام. وهناك اعتراف ضمني من بعض الأوساط في طهران بـ”فشل” الجهود السابقة لفرض الحجاب.

وحادثة كيش ليست معزولة، بل هي دليل على أن المقاومة المدنية مستمرة وذكية، حيث تختار النساء اللباس الاختياري كوسيلة احتجاج يومية وفعّالة، غير آبهات بالتهديدات أو العقوبات (سواء الغرامات، أو الحرمان من الخدمات).

وتمثل تداعيات ماراثون كيش مؤشراً على أن النظام الإيراني يواجه معضلة حقيقية، فالتراخي يهدد مبادئه الأيديولوجية والشرعية الدينية التي يقوم عليها، بينما التشدد يفاقم الغضب الشعبي ويدفع المجتمع نحو المزيد من التمرد المدني المنظم وغير المنظم.

وتهدف الملاحقات القضائية إلى ضبط إيقاع التحدي في الأماكن العامة وفرض خط أحمر واضح، لكنها في الوقت ذاته تكشف مدى اتساع الهوة بين توجهات السلطة والواقع الاجتماعي المتغير.

زر الذهاب إلى الأعلى