المصالح المشتركة بين الرباط وباريس تتجاوز نتائج الانتخابات الفرنسية
قال محمد العمراني بوخبزة أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة عبدالمالك السعدي بطنجة شمالي المغرب، إنه يوجد مستوى من المصالح المشتركة بين الرباط وباريس لن يتأثر بهوية الحكومة الفرنسية المقبلة.
وأضاف أن باريس ارتكبت أخطاء عديدة في علاقتها مع بلاده، واستغلت إسبانيا الوضع، فحلت محل فرنسا في صدارة العلاقات التجارية والاقتصادية مع المغرب.
ويستشرف الخبير احتمالات تأثير الحكومة الفرنسية المقبلة على جهود باريس والرباط لتجاوز توترات بينهما، وذلك بعد انتخابات تشريعية شهدها البلد الأوروبي مؤخرا.
وتصدر تحالف “الجبهة الشعبية الجديدة” (يسار) نتائج الانتخابات بـ182 مقعدا من أصل 577 مقعدا بالجمعية الوطنية (البرلمان)، متبوعا بتحالف الرئيس إيمانويل ماكرون (168 مقعدا).
فيما حل حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف وحلفاؤه، والذي كان يُرجح في الأساس حصوله على غالبية مطلقة، ثالثا بـ143 مقعدا. ولم تحصل أي كتلة على غالبية برلمانية مطلقة.
وقبل هذه الانتخابات، بدأت الرباط وباريس مساعٍ لتجاوز توترات بدأت بينهما قبل أكثر من 3 أعوام، إثر إعلان فرنسا تشديد شروط منح تأشيرات الدخول لمواطني المغرب والجزائر وتونس؛ بدعوى “رفض الدول الثلاث إصدار التصاريح القنصلية اللازمة لاستعادة مهاجرين من مواطنيها”.
وبحسب بوخبزة فإن “فرنسا ارتكبت أخطاء عديدة (لم يحددها) في قراءة الوضع في المغرب، وفي علاقتها مع الرباط؛ مما جعل العلاقات تتأثر”.
وأوضح أن “باريس تركت مكانها فارغا، وهو ما استغلته دول أخرى، ورفعت من وتيرة علاقاتها الاقتصادية مع المغرب، مثل إسبانيا التي أزالت فرنسا من موقعها الريادي”.
وحاليا، تحتل إسبانيا المرتبة الأولى على مستوى العلاقات التجارية والاقتصادية مع المغرب.
ورأى أن “فرنسا استوعبت الدرس بشكل كبير، وتحاول إعادة العلاقات قوية كما كانت خاصة من الناحية الاقتصادية، وهناك اشتغال لتلك العودة الريادية التي كانت تحظى بها فرنسا في علاقتها التجارية والاقتصادية مع المغرب”.
فرنسا استوعبت الدرس بشكل كبير وتحاول إعادة العلاقات قوية
وزاد بأن “فرنسا بدأت تجد صعوبات كثيرة في الولوج إلى السوق الإفريقية التي كانت تحتكرها” مضيفا أنها “تعي جيدا أن هذه العودة مرتبطة بشكل كبير بالتعاون والشراكة مع المغرب، حيث تعتبر باريس أن الرباط أخذت بشكل من الأشكال جزءا من حصة فرنسا في إفريقيا”.
وفي فبراير/شباط الماضي، دعا وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة إلى تجديد وتطوير علاقات بلاده مع فرنسا “وفق المصالح المتبادلة” بين البلدين.
ووصف في مؤتمر صحفي بالرباط مع نظيره الفرنسي ستيفان سيجورني، العلاقات بين البلدين بأنها “غير عادية ومتفردة ولا مثيل لها ومتجذرة في التاريخ”.
وكانت زيارة سيجورني الأولى من نوعها منذ زيارة وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاترين كولونا إلى المغرب في ديسمبر/ كانون الأول 2022.
وآنذاك، اقترح على بوريطة “إقامة شراكة تمتد لثلاثين عاما، تشمل قطاعات الطاقات المتجددة والتكوين وتطوير فضاءات صناعية حديثة”.
و”العلاقات بين البلدين تتميز بمستوين: الأول مستوى ثابت مرتبط بالمصالح المشتركة، ولا يتأثر بالمتغيرات في البلدين، ومستوى ثانٍ متغير يتغير بسبب الانتخابات وتغير السلطة”، حسب بوخبزة.
وتابع “هناك مَن يرعى العلاقات الثنائية لتتطور وتستديم في المستوى الأول (لم يحدد جهات)، في حين أن المستوى الثاني ممكن أن يتأثر، سواء خلال الأزمات أو المشاكل المعلنة أو غير المعلنة بين البلدين”.
واستدرك “إلا أن الحد الأدنى للتواصل يبقى قائم دائما، والعلاقات تستمر في أمورها الضرورية والأساسية”.
ورأى أن “المملكة محصنة في علاقتها مع فرنسا في المستوى الأول، أما الثاني فمرتبط بمواقف جهات معينة تجاه المغرب من بعض السياقات أو الأحداث المعينة، مثل الموقف من قضية الصحراء المغربية”.
ومنذ عقود، يتنازع المغرب وجبهة بوليساريو السيادة على إقليم الصحراء، وتقترح الرباط حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها، بينما تدعو الجبهة إلى استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.
ونجحت الدبلوماسية المغربية في ترويج رويتها بشان مبادرة الحكم الذاتي الذي يعتبر حلا واقعيا وعقلانيا للملف وهو ما ايدته العديد من الدول مثل الولايات المتحدة واسبانيا.
ومضى بوخبزة قائلا إنه “في المستوى الأول (من العلاقات) مصالح البلدين متشابكة للغاية، في حين المستوى الثاني هو ما يمكن أن يخضع لنتائج الانتخابات وتشكيل الحكومة”.
واكد أن “نتائج هذه الانتخابات أو الحكومة المقبلة لن تؤثر على العلاقات بين البلدين في المستوى الأول”.
واستشهد بأنه “على سبيل المثال، رغم الأزمة السابقة بين البلدين، إلا أن فرنسا لم تغير موقفها في التصويت بمجلس الأمن بخصوص قضية إقليم الصحراء، إلا أنها (الانتخابات والحكومة) ممكن أن تؤثر على المستوى الثاني مثل أزمة التأشيرات”.
وخلال زيارته الرباط، قال سيجورني إن باريس “تجدد دعمها الواضح والمستمر للمقترح المغربي حول نزاع إقليم الصحراء”.
وظهرت مؤخرا مؤشرات بشأن سعي المغرب وفرنسا إلى تجاوز “التوتر الصامت” بينهما، خاصة بعد انقطاع الزيارات بين مسؤولي البلدين.
ففي 19 فبراير/شباط الماضي، استقبلت قرينة الرئيس الفرنسي بريجيت ماكرون، في مأدبة غداء بقصر الإليزيه، 3 أميرات شقيقات لعاهل المغرب الملك محمد السادس.
وعيَّنت الرباط في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، سميرة سيطايل سفيرة جديدة لدى باريس، بعد شغور المنصب لنحو عام، نتيجة التوترات بين البلدين.
وقال بوخبزة إن “وضع المغتربين المغاربة في فرنسا يتأثر بالانتخابات” وتشكيل الحكومة “سيكون له تأثير على المهاجرين بصفة عامة، بمَن فيهم المغاربة”.
ويوجد نحو مليوني مغترب مغربي في الدولة الأوروبية، ما يجعلها ثاني أكبر جالية مسلمة.
وأفاد بوخبزة بـ”وجود تحولات على المستوى الاجتماعي بين البلدين، مثل ظاهرة عودة المهاجرين إلى بلادهم الأم (المغرب)، وهي ظاهرة وجب الانتباه إليها في الآونة الاخرة”.
ولفت إلى أنها تأتي بـ”التزامن مع ارتفاع الخطاب المعادي للهجرة ومؤشرات الإسلاموفوبيا (بفرنسا)، فهناك أسر مغربية تفكر في العودة إلى المغرب أو عادت”.
ورأى أن “طبيعة الحكومة المقبلة (في فرنسا) ستؤثر على الجالية المغربية، خاصة أن موضوع الهجرة شكل محورا أساسيا في الحملة الانتخابية للفرقاء الثلاثة بفرنسا”.
وحذر من “ارتفاع ظاهرة عودة المهاجرين إلى بلادهم الأم، في حال وصول اليمين المتطرف إلى الحكومة”.
وأوضح أنه “إذا كانت الحكومة يمينية أو من التحالف الرئاسي، فإن الجالية ستتأثر، وستعرف هجرة العودة ارتفاعا، خاصة أن مؤشرات ذلك ظهرت إبان اعتماد فرنسا قوانين حول الهجرة”.
واستطرد “بالإضافة إلى التضييق على الجالية المسلمة بصفة عامة، وارتفاع مستوى الضغط عليهم، مما يدفع إلى هجرة العودة”.
واعتبر أن “ما يشجع على هذه الظاهرة تحقيق البلاد (المغرب) نوعا من التقدم، حيث أصبح نمط العيش يروق للعديد من الأسر المغربية المقيمة بالخارج، خاصة أن مستوى المعيشة وظروف الحياة تغيرت”.
أما في حال “وصول تحالف اليسار إلى سدة الحكم، فسيشكل نوعا من الارتياح لدى المغتربين، بالتزامن مع استمرار الاستقرار في فرنسا وعدم التفكير في هجرة العودة”.