النيل الأبيض.. رسائل النار بين الداخل والخارج بالسودان

الهجمات الأخيرة التي استهدفت مواقع عسكرية في ولاية النيل الأبيض لم تكن مجرد عمليات عابرة في حرب مستمرة، بل شكلت نقطة انعطاف نوعية تكشف عن أبعاد جديدة للصراع السوداني. فبين تدمير البنية العسكرية في كوستي واستهداف قاعدة كنانة الجوية. اتضحت صورة أكثر تعقيدًا لمسرح العمليات، حيث تتقاطع الحسابات المحلية مع المصالح الإقليمية والدولية.
ضربات تتجاوز الميدان العسكري
تدمير مستودع الوقود في المنطقة الصناعية بكوستي لم يكن مجرد خسارة لوجستية للجيش. بل ضربة مباشرة لشرايين الحياة في الولاية. فالوقود في بلد يعاني من أزمة إنسانية خانقة يعني الكهرباء والمستشفيات والمواصلات اليومية. ومن هنا، فإن الرسالة السياسية للهجوم تتجاوز الجبهة العسكرية لتطال المدنيين، وتزيد من الضغوط على الحكومة والمجتمع الدولي على حد سواء.
قاعدة كنانة الجوية.. البعد الخفي
أما استهداف قاعدة كنانة الجوية فقد فتح الباب أمام أسئلة أكثر خطورة. مقتل خبراء أتراك وتدمير منظومات تشويش متطورة يشير بوضوح إلى أن النزاع لم يعد محصورًا داخل الحدود السودانية. دخول خبراء أجانب إلى ساحة القتال يثبت أن الحرب باتت مرآة لصراع نفوذ إقليمي. حيث تحاول أطراف خارجية ترسيخ موطئ قدم عبر التكنولوجيا والسلاح.
تحولات في قواعد الاشتباك
إسقاط طائرة استطلاع مسيّرة يكشف عن انتقال العمليات إلى مرحلة جديدة تقوم على مواجهة التكنولوجيا بالتكنولوجيا. وهذا يعني أن المشهد السوداني لم يعد ساحة صراع تقليدي بين قوات برية، بل مختبرًا لتجريب أدوات الحرب الحديثة، وهو تحول يحمل في طياته مخاطر انتشار العنف إلى نطاق أوسع.
الأثر الإنساني.. الحلقة الأضعف
وسط هذه التطورات، يبقى المدنيون الحلقة الأضعف. فالحرمان من الوقود يهدد المستشفيات والمدارس، ويضاعف المعاناة المعيشية. كما أن تدمير البنية التحتية الحيوية ينذر بتداعيات بيئية قد تكون كارثية. هنا يطرح السؤال نفسه: من يحمي المدنيين عندما تصبح المدن الصناعية والمستودعات هدفًا عسكريًا مشروعًا؟
البعد القانوني.. غياب المحاسبة
ما جرى في النيل الأبيض يعيد إلى الواجهة قضية غياب المساءلة. فالحرب السودانية مستمرة منذ شهور دون وجود آلية دولية قادرة على ضبط الانتهاكات أو محاسبة المسؤولين عنها. إن مقتل خبراء أجانب وتدمير منشآت مدنية وعسكرية معًا يفرض الحاجة إلى تدخل قانوني عاجل، إما عبر تحقيق مستقل أو عبر ضغط دولي يضمن على الأقل توثيق الجرائم وحماية الضحايا.
في المحصلة
الهجمات الأخيرة ليست مجرد جولة جديدة من العنف. بل رسائل سياسية وعسكرية تكشف عن تشابك الداخل والخارج في الأزمة السودانية. فالجيش يتلقى ضربات نوعية والمجتمع المدني يدفع الثمن، والقوى الإقليمية تجد نفسها متورطة بشكل متزايد في معركة لا يبدو أنها ستنتهي قريبًا. وبين هذا وذاك، يبقى المطلوب اليوم مقاربة سياسية جريئة، لا تكتفي بوقف النار. بل تضع حدًا لتحويل السودان إلى ساحة تصفية حسابات إقليمية ودولية.