الشرق الأوسط

بخلفية حمراء واعترافات مُرة.. خطاب نصر الله يكشف ارتباكه


خلفية حمراء وعباءة سوداء لم يكسرها سوى لون رمادي باهت ضاعف انعكاسا ضبابيا، فاقمته اعترافات مُرة ومناورات لم تفلح في إخفاء ارتباك واضح.

هكذا ظهر الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، في خطاب تلفزيوني ألقاه، الخميس، بعد موجة من التفجيرات التي طالت أجهزة اتصال لاسلكية يستخدمها عناصر الحزب.

ومع أن العالم كان بانتظار هذا الخطاب في محاولة لرصد أي إشارات حول طبيعة الرد على الهجمات، إلا أن لباس نصر الله وملامحه ولغة جسده استبقت تصريحاته، لتقدم الكثير مما لم يقله رغم طول خطاباته كعادته.

وانفجرت مئات من أجهزة “بيجر” والاتصال اللاسلكي التي يستخدمها عناصر حزب الله في كل أنحاء لبنان، في هجومَين وقعا الثلاثاء والأربعاء، أسفرا عن مقتل 37 شخصا وإصابة نحو ثلاثة آلاف آخرين.

وتمثّل هذه الانفجارات ضربة كبيرة لحزب الله، الذي حمّل إسرائيل مسؤوليتها وتعهّد الرد.

اعترافات مرة

بدا وكأنه مجبر على الإدلاء بكل تلك الاعترافات، وعلى مرارتها بالنسبة له -وفق ما نضحت به ملامح وحركة جسده، خصوصا حركة يده اليمنى المتثاقلة على غير عادتها وهي تمضي صعودا ونزولا- كان لا بد أن ينحني للعاصفة لكن لأهداف محددة.

أقر بأن حزبه تعرض لضربة “كبيرة وغير مسبوقة”، متهما إسرائيل بتفجير الآلاف من أجهزة الاتصال التي يستخدمها حزبه.

وفي كلمة ألقاها عبر الشاشة، قال “لا شكّ أننا تعرضنا لضربة كبيرة أمنيا وإنسانيا وغير مسبوقة في تاريخ لبنان”، مشدداً على أنّ “العدو تجاوز بهذه العملية كل الضوابط والقوانين والخطوط الحمراء”.

وكرر نصر الله اعترافاته في وقت يبدو أن التفجيرات التي جاءت في توقيت قاتل وفي ظل تصعيد مع إسرائيل، أربكت الحزب وبثت الفوضى بصفوفه.

وأضاف أن الحزب شكّل “لجان تحقيق داخلية” حول أجهزة الاتصال “من المنتج إلى.. لحظة التفجير”.

وشدد على أن إسرائيل لن تكون قادرة على إعادة سكان الشمال الى المنطقة الحدودية مع لبنان، ما لم توقف الحرب على قطاع غزة.

وقال عن ذلك: “لن تستطيعوا أن تعيدوا سكان الشمال إلى الشمال.. وافعلوا ما شئتم”، مضيفا “لا تصعيد عسكريا ولا قتل ولا اغتيالات ولا حرب شاملة تستطيع أن تعيد السكان إلى الحدود”. وتوعد نصر الله “بحساب عسير وقصاص عادل” بعد تفجير أجهزة اتصالاته.

إحساس بالذنب؟

لا شيء يبدو أصعب من قيادي يقدم بنفسه برهان فشله من خلال منح العدو فرصة ثمينة للنيل منه، وهذا ما تجسد من خلال إطلالة نصر الله في خطاب اليوم.

ففي ظل ما انتشر من تقارير إعلامية تحدثت على أن خطاب نصر الله في فبراير/شباط الماضي كان المحفز لتفخيخ أجهزة الاتصال، بدت محاولاته واضحة في خطاب اليوم للهروب من فرضيات تطوقه، وقد تكون سببا في انقسامات وجدل كبير داخل الحزب.

وفي وقت سابق، نقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية عن صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، قولها إن مسؤولي الاستخبارات الإسرائيلية وجدوا في خطاب نصر الله الذي ألقاه قبل أشهر فرصة للعمل ضد الحزب.

وفي ذلك الخطاب، حذر نصر الله من الهواتف الخلوية، معتبرا أنها أخطر من الجواسيس، ودعا إلى «دفنها» من أجل تأمين عناصر الحزب من أي محاولات تجسس.

وذكر التقرير الأمريكي أن نصر الله قرر التوسع في استخدام أجهزة النداء «بيجر» و«أيكوم»، واصفا الهواتف المحمولة بأنها أخطر من الجواسيس الإسرائيليين.

لكن الكلمات التي قالها انفجرت في وجه حزب الله حرفيا بعد 7 أشهر، وهو ما يبدو أنه يشكل إحراجا كبيرا له.

لغة الجسد

تجلت محاولاته للهروب من كل ذلك من خلال محاولته اجترار شعاراته حول المقاومة وتوجيه الأنظار نحو المعركة مع إسرائيل باعتبارها جزءا من حرب غزة.

ومن خلال ذلك، بدا جليا أنه يحاول جاهدا عدم خسارة التعاطف الشعبي المحلي والعربي بشكل عام وحتى الدولي، من خلال اللعب على وتر القضية الفلسطينية.

وفي خطاب طويل تجاوز الساعة، ظهر أن نصر الله يكابد من أجل التغلب على شعور الهزيمة المطبق عليه، محاولا قدر الإمكان الدفع بالأمل خارج مناطق الألم التي تبدو كثيرة حوله لدرجة أنه بدا وكأنه يحاول إقناع نفسه بها بلا جدوى.

لكن، ورغم طول الخطاب، والنفس التفكيكي الذي شابه، وكل تلك الاعترافات، فإن أهم ما في الأمر، وهو تحديد ملامح الرد، غابت عن النص.

وأثناء خطاب نصر الله خرقت إسرائيل جدار الصوت على علو منخفض مرتين، فيما قال شاهد لوكالة رويترز إنه سمع دوي طائرات مقاتلة تحلق على ارتفاع منخفض فوق بيروت خلال خطاب نصر الله.

والخميس، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه شن غارات جديدة على “أهداف لحزب الله في جنوب لبنان، فيما انطلقت صافرات الإنذار في شمال إسرائيل مشيرة إلى إطلاق نار من لبنان.

وقال الجيش في بيان إنه “يضرب حاليا أهدافا لحزب الله في لبنان بهدف تقليص قدرات حزب الله الإرهابية وتقويض بنيته التحتية”.

وأضاف أن ذلك يأتي في إطار الجهود الرامية إلى إعادة النازحين من شمال إسرائيل إلى منازلهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى