بين التجارة والسياسة.. قطر تمشي على حافة التوازن

تتوجس الدوحة من أن تؤدي الضربات الإسرائيلية التي استهدفت قيادات حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية “حماس” إلى زعزعة صورة الإمارة الخليجية الثرية كمركز أعمال مستقر، بينما تسعى إلى الموازنة بين أهدافها التجارية وطموحاتها الدبلوماسية العالمية.
وأدى تصميم قطر على القيام بدور وسيط دبلوماسي في حرب غزة إلى جرها بالفعل إلى صراع أوسع في الشرق الأوسط. ففي يونيو/حزيران، قصفت إيران قاعدة العديد العسكرية ردا على الضربات الأميركية على المواقع النووية الإيرانية، ولكن تسنى اعتراض معظم الصواريخ في سماء الدوحة.
وأمس الثلاثاء، وجدت قطر نفسها في مرمى النيران مرة أخرى جراء الغارة الإسرائيلية التي استهدفت قيادات حركة حماس في الدوحة.
وقال جاستن ألكسندر المدير في شركة “غلف إيكونوميكس” ومحلل الشؤون الخليجية في “غلوبال سورس بارتنرز” إن “قطر في وضع فريد، كونها تعرضت لهجمات إيرانية وإسرائيلية على حد سواء في غضون بضعة أشهر”.
وأضاف “لم يكن هناك تأثير يذكر للضربات الإيرانية، ولكن إذا ما أصبح الأمر وكأنه نمط متكرر، فقد تتغير تقديرات المستثمرين المتعلقة بالمخاطر”.
وقال مسؤول تنفيذي في شركة غربية كبيرة مقيم في الدوحة، رفض الكشف عن اسمه، لرويترز إن شركته لا تزال تُقيّم الوضع، مردفا أن “الأعمال استؤنفت كالمعتاد بعد يوم من الضربات وكأن شيئا لم يحدث”.
وقال خبير مالي آخر في قطر إن تقليص الأعمال سيكون مكافأة لإسرائيل على ما اعتبره انتهاكا للقانون الدولي، مضيفا “نأمل أن يُجدد هذا القوة الدافعة للأعمال التجارية في قطر”.
وكان هجوم طهران في يونيو/حزيران معروفا سلفا، مما أتاح الوقت الكافي للدفاعات القطرية للاستعداد. ولم يُصب أحد بأذى.
لكن الهجوم الإسرائيلي فاجأ الدوحة وأدى إلى مقتل ما لا يقل عن سبعة أشخاص، بينهم أحد أفراد قوى الأمن الداخلي القطرية وخمسة أعضاء من حماس وشخص آخر.
ويُشكل الوافدون من جميع أنحاء العالم، والذين يقارب عددهم ثلاثة ملايين نسمة، غالبية سكان قطر وجاؤوا في الغالب بحثا عن فرص عمل في واحدة من أغنى دول العالم.
وتفخر قطر، الدولة المضيفة لكأس العالم لكرة القدم 2022، بأبراجها الشاهقة وطريقها السريع الجديد المكون من 10 مسارات، ومترو الأنفاق المُتطور. لكنها من بين أكثر دول الخليج اعتمادا على النفط والغاز وتتخلف عن جارتيها الإمارات والسعودية في تنويع اقتصادها، وهو أمر تسعى حكومتها إلى تغييره من خلال إعادة ترتيب الأولويات الاقتصادية.
وترتبط الدوحة منذ وقت طويل بمصالح تجارية رئيسية مع واشنطن، حليفتها وضامنة أمنها منذ أمد بعيد.
وتعمل شركة قطر للطاقة المملوكة للدولة على توسعة طموح لإنتاجها من الغاز الطبيعي المسال في حقل الشمال الضخم، الذي تشترك فيه مع إيران. وشركتا الطاقة الأميركيتان “إكسون موبيل” و”كونوكو فيليبس” من الشركاء الرئيسيين في مشروع التوسعة، الذي سيرفع إنتاج قطر من الغاز الطبيعي المسال إلى المثلين تقريبا.
وتبني شركة غولدن باس، المملوكة لقطر للطاقة بالاشتراك مع إكسون موبيل، منشأة كبرى لتصدير الغاز الطبيعي المسال في سابين باس بولاية تكساس، ومن المقرر أن تبدأ التصدير في وقت لاحق من هذا العام.
إذا وقعت هجمات أخرى، فإن ذلك سيُجبر الشركات القطرية الأميركية على إعادة تقييم المخاطر
وسعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي زار الدوحة في مايو/أيار وأقام في فندق ليس ببعيد عن موقع هجوم الثلاثاء، إلى طمأنة القطريين بعد الهجوم، مؤكدا أن شيئا كهذا لن يحدث على أراضيهم مرة أخرى.
وخلال زيارته في مايو/أيار، أكد ترامب للدوحة أن واشنطن ستحميها في حال تعرضها لأي هجوم.
وتعهد جهاز قطر للاستثمار باستثمار 500 مليار دولار في الولايات المتحدة على مدى العقد المقبل خلال جولة ترامب الخليجية، وقال الرئيس الأميركي إن قيمة صفقات الدفاع التي وُقّعت خلال الجولة بلغت 42 مليار دولار.
وفي السياق ذاته، وقّعت الخطوط الجوية القطرية صفقة لشراء 160 طائرة بوينغ مزودة بمحركات من شركة جنرال إلكتريك للطيران قيمتها 96 مليار دولار، وهي أكبر صفقة تبرمها المؤسسة في مجال الطائرات عريضة البدن.
وأكد محللون أن هذه الروابط الاقتصادية ستخضع لرقابة مشددة، وقد يُلقي المزيد من عدم الاستقرار بظلال من الشك على الاستثمارات الجديدة.
وقال نيل كويليام الزميل المشارك في مؤسسة تشاتام هاوس “إذا وقعت هجمات أخرى، فإن ذلك سيُجبر الشركات القطرية الأميركية على إعادة تقييم المخاطر واتخاذ تدابير مناسبة للتخفيف منها”.
وساعدت ثروة قطر الهائلة من النفط والغاز في تجاوز خلافها الذي بدأ مع جيرانها الخليجيين عام 2017 واستمر لأكثر من ثلاث سنوات. فقد فرضت السعودية والإمارات والبحرين وسلطنة عمان ومصر مقاطعة خانقة على الدوحة، متهمة إياها بدعم الإرهابيين، وهو ما نفته الدوحة.
ولم تدخر الإمارة الخليجية الثرية حينها أي جهد لمواجهة هذا الحظر التجاري، حتى إنها نقلت أبقارا على متن طائرات لتأسيس صناعة ألبان محلية.
ولا حاجة في الوقت الحالي على ما يبدو لمثل هذه الإجراءات الاستثنائية. فقد بدت الأسواق وكأنها تجاهلت الضربات، ولم تتأثر السندات القطرية أو عقود مبادلة مخاطر الائتمان وهي أدوات مالية تُستخدم للتحوط من مخاطر التخلف عن سداد الديون.
وفي مؤشر آخر على استمرار تعافي أسواق المنطقة، مضت أرامكو السعودية قدما في بيع صكوك مقومة بالدولار اليوم الأربعاء، والتي أفادت رويترز بأنها قد تجمع ما بين ثلاثة وأربعة مليارات دولار.
وجمع بنك الدوحة القطري الثلاثاء 500 مليون دولار من خلال إصدار سندات، حيث سُعرت الصفقة بعد وقت قصير من الهجمات الإسرائيلية. وتمكن البنك من خفض العائد على السندات بفضل الإقبال الكبير من المستثمرين.
وفي سياق متصل قال رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، في مقابلة مع شبكة “سي.إن.إن” اليوم الأربعاء إن قطر تبحث مع الشركاء بالمنطقة الرد على الهجوم الإسرائيلي على الدوحة الثلاثاء.
وأضاف أن هناك خططا جارية لعقد قمة في الدوحة قريبا بخصوص هذه المناقشات، دون تحديد موعد، فيما أكدت وزارة الخارجية القطرية “التزام قطر الراسخ بأحكام القانون الدولي، وعزمها على صون سيادتها والدفاع عن حقوقها بكافة الوسائل المشروعة والمستندة إلى مبادئ القانون الدولي”.