حصري

بين المال والعقيدة: لماذا استهدفت العقوبات الأمريكية وزير المالية السوداني؟


أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوبات على وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم، إلى جانب فصيل مسلح يحمل اسم “فيلق البراء بن مالك. القرار لم يكن مفاجئاً بقدر ما كان لافتاً من حيث التوقيت والدلالات، فهو يأتي وسط حرب أهلية مدمرة، وصراع إقليمي محتدم، وضغوط دولية متزايدة على الفاعلين السودانيين.

يمثل استهداف جبريل إبراهيم ضربة سياسية موجعة لحركات دارفور التي انتقلت من الهامش المسلح إلى قلب الدولة بعد الثورة. فالرجل الذي يقود حركة العدل والمساواة ظل موضع اتهام باستخدام وزارة المالية لتعزيز نفوذ حركته، وتأمين موارد لصالح الحرب الدائرة.
العقوبات هنا ليست على شخص فقط، بل على نموذج سياسي بأكمله: الجمع بين عباءة الدولة وقيادة فصيل مسلح. ومن هذا المنظور، فإن القرار الأمريكي يوجّه رسالة مفادها أن المشاركة في السلطة لا تعني الإفلات من المراقبة الدولية.

إدراج “فيلق البراء بن مالك” ضمن قائمة العقوبات يعكس مخاوف متزايدة من عسكرة الدين في الصراع السوداني. ففيما كان النزاع بين الجيش والدعم السريع صراعاً على السلطة والثروة، برز هذا الفصيل كواجهة عقائدية توظف الرموز الدينية لتبرير الحرب.


الولايات المتحدة، بخطوتها هذه، تسعى إلى منع تحوّل السودان إلى بيئة خصبة لتكرار تجارب مريرة مثل سوريا وليبيا، حيث أدى حضور الفصائل العقائدية إلى إطالة أمد النزاعات وتعقيد الحلول السياسية.

المعلن أن العقوبات تهدف إلى “وقف تمويل الحرب وحماية المدنيين”. لكن خلف هذا الخطاب تكمن حسابات أوسع:

  1. محاصرة الاقتصاد الموازي الذي يعتمد على الذهب والتهريب كمصدر رئيسي لتمويل الميليشيات.

  2. تقليص النفوذ الروسي في السودان، خصوصاً عبر شبكات تهريب الذهب المرتبطة بـ”فاغنر”.

  3. توجيه رسالة إقليمية لحلفاء الخرطوم بأن دعم الميليشيات لن يمر دون كلفة سياسية.

  • سياسياً: تضع العقوبات الحكومة السودانية في موقف ضعيف أمام المجتمع الدولي، وتضعف صورة جبريل إبراهيم كوزير شرعي.

  • اقتصادياً: التأثير المباشر قد يكون محدوداً لأن الاقتصاد يعاني أصلاً من الانهيار، لكن على المدى المتوسط ستتعمق عزلة السودان عن النظام المالي العالمي.

  • اجتماعياً: قد تستغل بعض القوى هذا القرار لتغذية خطاب “التآمر الخارجي”، مما يزيد من الاستقطاب الداخلي.

العقوبات الأمريكية على جبريل إبراهيم و”البراء بن مالك” ليست مجرد إجراء مالي، بل أداة سياسية تعكس قناعة دولية بأن الأزمة السودانية لم تعد شأناً داخلياً. غير أن فعاليتها تبقى رهناً بقدرة السودانيين أنفسهم على كسر حلقة الحرب والفساد، وبناء مشروع سياسي يعيد للدولة سيادتها على مواردها وثرواتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى