اخترنا لكم

بيّاعو الكلام الإيرانيون


التهديدات التي يطلقها المسؤولون العسكريون الإيرانيون بـ”محو إسرائيل من الوجود” ليست جديدة على إسرائيل.

لقد سبقهم إليها الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، فتم إبلاغه بجملة واحدة تقول: “إن أي تهديد وجودي لإسرائيل سوف يعني تهديدا وجوديا للعراق”. فاكتفى بتوجيه بضعة صواريخ، بينما كان يملك عشرات الآلاف منها.

ولا شك أن المرشد الأعلى الإيراني تبلّغ الرسالة ذاتها، إلا أنه لم يُخبر قادته العسكريين بها، فظلوا يهذون ويهذرون. أو أنه أخبرهم، ولكنهم آثروا أن يواصلوا بيع الكلام، لعله يكون رادعا لإسرائيل.

هناك شيء واحد يردع إسرائيل عن توجيه ضربات لإيران: عدم الحصول على ضوء أخضر من واشنطن. وعندما تحصل عليه فإنها ستوجه تلك الضربات دون أي اعتبار للهذر والهذيان.

والحاجة إلى ذلك الضوء الأخضر إنما تتعلق بالقاعدة التي تعتبر وجود إسرائيل خطا أحمر. فبما أن هذا الوجود مسؤولية دولية تتصدرها الولايات المتحدة، فلا بد لإسرائيل، قبل أن تقوم بأي عمل عسكري، أن تأخذ استعدادات الولايات المتحدة للمشاركة في الدفاع عنها بعين الاعتبار.

لا يوجد شيء أبسط ولا أوضح. والمسؤولون العسكريون الإيرانيون لا يستطيعون القول إنهم لا يعرفون ذلك، أو أنهم لم يسمعوا به.

لا تقصد هذه السطور أن تقول لأولئك المسؤولين: كفّوا، بالله عليكم، عن التهديدات الفارغة. ولكنها تقصد أن بيع الكلام بضاعة أكل الدهر عليها وشرب، ولم تعد تنفع لا في الردع ولا حتى في رفع المعنويات.

الردع يقوم على قواعد، لا علاقة لها بمقدار ما يتم بيعه أو استهلاكه من الهذيان.

وبالنظر إلى تلك القواعد، فإن محو إيران من الوجود، أقرب إلى الواقع. وليست هناك حاجة إلى أي تذكير بأن إسرائيل قوة نووية. لأنها على الأرجح لن تستخدم هذا السلاح في أي حرب، حتى ولو تعرضت بالفعل إلى “تهديد وجودي”.

وهناك سببان لذلك. الأول، هو أن إسرائيل امتلكت السلاح النووي لأغراض الردع لا الاستخدام. ولطالما ألمح المسؤولون الإسرائيليون، ومنهم رئيس الوزراء السابق شيمون بيريز، إلى أنهم لن يكونوا أول من يستخدم هذا السلاح. ومثلما بقيت إسرائيل تصمت عن امتلاكها له، فقد بقيت فرنسا والولايات المتحدة، وهما الشريكان الأساسيان في بناء القنبلة النووية الإسرائيلية، يصمتان عنه أيضا.
والثاني، هو أن إسرائيل لا تتخذ قرارا جذريا إلا بعد سجال، ولا تتخذه بإرادة فرد واحد، ولا حتى حزب واحد.

هذان السببان هما اللذان يوفران الغطاء العملي لقاعدة أن “وجود إسرائيل خط أحمر”. بمعنى أنهما هما اللذان يستدعيان شراكة كل المعنيين بحماية أمن إسرائيل ووجودها، على النهوض دفعة واحدة وكتلة واحدة لوقف التهديد وسحق الطرف الذي يشكله.

لا حاجة إلى إجراء حسابات التوازن العسكري بين إيران وبين إسرائيل. فمن الواضح على الأقل أن إيران بلا غطاء جوي. ودفاعاتها هزيلة تماما أمام تكنولوجيا الطائرات الحديثة، من إف 15 فما فوق، التي يمكنها إصابة الهدف من على بُعد مئات الكليومترات.

الدفاعات الجوية الإيرانية، من شدة التخلف، بحيث إنها تنتظر وصول الطائرة المغيرة إلى سماء هدفها لكي تحاول إطلاق النار عليها، بينما تكون الطائرة قد أصابت هدفها وعادت. ثم أن الكثير جدا من الأهداف العسكرية الإيرانية يمكن تدميرها من خارج الحدود أصلا.

مع ذلك، فإن طائرات من كل أرجاء العالم الغربي هي التي سوف تتولى الإغارة على مواقع التهديد.

هذا هو “الخط الأحمر” الذي لا يراه بياعو الكلام الإيرانيون. وإذا كان القادة العسكريون بحاجة إلى تأكيدات إضافية، فإن كل أنظمة صواريخهم ومواقعها مرصودة سلفا. وهي قابلة للقصف والتدمير في غضون ساعات. كما أنها مرئية وإحداثياتها محسوبة بالأقمار الصناعية التي لا تؤدي مهمة أكثر أهمية من حساب الخطوة بالخطوة والمتر بالمتر.

الهذر والهذيان مفيدان، على أي حال، للتنفيس عن المخاوف. وفي مستشفى الأمراض النفسية، فإنهما يساعدان على تخفيف حدة المرض، لرفع المعنويات التي لا شيء يرفعها في الواقع.

العالم، خارج هذه المستشفى، شيء آخر. وهو لا يحسب حساباته بمقاييس الخوف ولا التنفيس، وإنما بمعرفة تفاصيل التفاصيل من ناحية القدرات الفعلية.

الإيرانيون، من عامة الناس، إذا وجدوا معنوياتهم تنخفض إلى ما دون الصفر، فلأن هناك أسبابا أخرى، لا علاقة لها بقدرة قادتهم العسكريين على الدفع ببلادهم إلى الهلاك. أولها، أنهم يعرفون الواقع. وثانيها، أنهم يعيشون مآسيه كل يوم، في عملة تنهار وتضخم يرتفع أعلى من الصواريخ. وثالثها، لأنهم رأوا كيف جرّب قادتهم “كأس السم” من قبلُ مع قوة أقل من قوة العالم الغربي، التي يمكن أن تجتمع ضدهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى