تحشيدات مسلحة تثير المخاوف.. مساعٍ داخلية وخارجية لوقف الانفجار الليبي

تعيش العاصمة الليبية طرابلس على صفيح ساخن منذ أكثر من أسبوع. جراء تحشيدات مسلحة، فيما يبدو أنه إعادة ترتيب مراكز القوى. وسط مساعٍ محلية ودولية للتهدئة وتخوفات وتحذيرات من اندلاع حرب.
وتواردت أنباء عن تحرك قوات من مدينة مصراتة (غرب). موالية لرئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة نحو طرابلس، مع حشد لقوات أخرى داخلها توالي هي الأخرى الدبيبة.
-
المال المزيّف في ليبيا.. الدبيبة يواجه “مافيا التزوير”
-
صراع النفوذ في ليبيا.. النفط سلاح للضغط على داعمي الدبيبة
وتلك التحركات قابلها تحشيد وانتشار لقوات “جهاز الردع لمكافحة الجريمة”. المتمركز في منطقة تاجوراء وسوق الجمعة بطرابلس وهو تابع للمجلس الرئاسي الليبي ومصنف على أنه عدو للدبيبة.
وعلى الرغم من عدم حدوث أي مناوشات مسلحة حتى الآن، واستمرار الحياة اليومية بطرابلس. إلا أن التخوف الشعبي من احتمالات اندلاع حرب يتزايد يوميا وسط استمرار التحشيدات.
وما يجعل التخوف مبررا هو أن القوات القادمة من مصراتة أعدادها كبيرة. وفقا لمقاطع مصورة منتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي.
-
أزمة جديدة في ليبيا.. البرلمان ينتقد إنفاق الدبيبة الموازي
-
الدبيبة يحيل مقتحمي مؤسسة النفط إلى القضاء تهدئةً للأزمة
وعناصر “جهاز الردع” أكثر عددا وهو مسيطر على مطار معيتيقة ومنطقتي سوق الجمعة وتاجوراء، أكبر مناطق العاصمة وأكثرها كثافة سكانية.
تلك المعطيات تجعل من المواجهات إن اندلعت حربا بكل معنى الكلمة، وليس مجرد اشتباكات مسلحة.
وهذا المشهد يبدو فصلا جديدا لخطة حكومية للقضاء على المليشيات المسلحة، في سيناريو اعتبره مراقبون استمرارا لما حدث في 12 مايو/ أيار الماضي. حينما اندلعت اشتباكات مسلحة بطرابلس. حينها أُعلن عن مقتل قائد “جهاز دعم الاستقرار” عبد الغني الككلي (اغنيوه)، في ظروف غامضة.
-
الدبيبة يواجه الغضب الشعبي بالترهيب وفرض الولاء الإجباري
-
الدبيبة يواجه ضغوطًا داخليًا بموقف حازم ضد توطين المهاجرين
وبعدها اندلعت اشتباكات بين بقايا من “جهاز دعم الاستقرار”. التابع للمجلس الرئاسي، و”اللواء 444 قتال”، التابع لوزارة الدفاع بحكومة الوحدة.
تلك الاشتباكات انتهت بعد ساعات بسيطرة “اللواء 444” على مقرات “جهاز دعم الاستقرار”. بل ومنطقة أبوسليم بالكامل وسط طرابلس، والتي كانت بمثابة مملكة للككلي.

وفي اليوم التالي حدثت تحشيدات أخرى تزامنت مع تسريبات عن نية “اللواء 444” .خوض حرب ضد “جهاز الردع لمكافحة الجريمة”، برئاسة عبد الرؤوف كارة (الشيخ كارة)، وهو أيضا تابع للمجلس الرئاسي.
-
تصاعد الغضب الشعبي في ليبيا.. احتجاجات واستقالات تضرب حكومة الدبيبة
-
زمن الميليشيات لم ينتهِ.. الدبيبة يناقض الحقيقة على الأرض
تلك التسريبات تزامنت مع تجمع آلاف من الأهالي بمنطقة سوق الجمعة. دعما لـ”جهاز الردع”، إلا أن وزارة الدفاع أعلنت هدنة واتفاقا لوقف إطلاق النار ونشر قوات محايدة بنقاط التماس.
وجرى كل ذلك قبل أن تعلن البعثة الأممية لدى ليبيا أن المجلس الرئاسي، بالتعاون معها. شكّل لجنة لترتيبات أمنية للحفاظ على أمن العاصمة.
آنذاك، وتعليقا على ما جرى، قال الدبيبة إن كل ما يحدث كان ضمن خطة حكومية للقضاء على الميليشيات غير الخاضعة لسلطة الدولة، مضيفا أن خطته “لاقت دعما دوليا واسعا”.
-
الدبيبة والمنفي يتحركان لتطويق الأزمة الأمنية في طرابلس
-
مبادرة سياسية جديدة من الدبيبة بثلاثة مسارات تهدف إلى التهدئة
ومنذ ذلك الحين والأوضاع الأمنية بطرابلس تحت السيطرة. قبل أن تعود للتوتر هذه الأيام إثر التحشيدات المسلحة لكل من “جهاز الردع” والقوات التابعة لحكومة الوحدة.
وفي تعليق على هذه التطورات، قال مجلس النواب في بيان إنه يتابع “بقلق تطور الأحداث في طرابلس من تحشيدات عسكرية، مما يزيد من عدم الاستقرار”. وأضاف أن “هذه التحركات لا تخدم المصلحة الوطنية، وتفضي لمزيد من الفوضى”.
وحذر من “جر العاصمة للحرب وسفك دماء المدنيين”. داعيا إلى “تغليب المصلحة الوطنية العليا للبلاد”.
وفي اتجاه التخوف نفسه، أعربت كتلة التوافق الوطني بالمجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري)، عبر بيان، عن رفضها “أي تصعيد مسلح بطرابلس، خاصة في هذا الوقت الحرج”.
-
انقسام في اللواء 444 يربك توازن القوى ويحرج حكومة الدبيبة
-
إقالة وزير النفط في ليبيا.. الدبيبة يواصل تصفية الحسابات
وأوضحت أن “البعثة الأممية تبذل جهودا لإطلاق مسار سياسي ينهي الانقسام. ويؤسس لحكومة جديدة موحدة، ما يجعل أي محاولات لتأجيج الحرب تهدد بتقويض هذه الجهود”.
وفي 21 أغسطس/ آب الماضي أعلنت المبعوثة الأممية إلى ليبيا هانا تيتيه “خارطة طريق” تتضمن ثلاث ركائز، أبرزها تشكيل حكومة موحدة. لإيصال ليبيا إلى انتخابات تحل أزمة الصراع بين الحكومتين.
ومنذ سنوات، تحول خلافات بين المؤسسات الليبية الفاعلة دون إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في البلد الغني بالنفط تنهي الخلافات السياسية والنزاع المسلحة.
ومطلع 2022، عيَّن مجلس النواب حكومة يرأسها حاليا أسامة حماد ومقرها بنغازي (شرق). فيما توجد حكومة وحدة برئاسة الدبيبة في طرابلس (غرب).
-
هجوم يستهدف وزيرًا ليبيًا.. هل يفقد الدبيبة السيطرة على الأمن؟
-
كومة الدبيبة تشهر ورقة الترحيل القسري.. أزمة المهاجرين تتفاقم
واعتبرت كتلة الوفاق الوطني بمجلس الدولة أن هذا التصعيد “غايته فرض السيطرة على مناطق آمنة، تحت شعار فرض سيادة القانون”. ورأت أنها “خطوة مفضوحة تهدف لإجهاض مساعي استئناف العملية السياسية”.
وحمّلت حكومة الدبيبة “المسؤولية الكاملة عن الدماء التي ستسفك، وما سيصحبها من فوضى”.
وأصدر أهالي منطقة تاجوراء، الداعمين لـ”جهاز الردع”، بيانا مصورا رفضوا فيه ما سموه “محاولة الهجوم على المنطقة”.
كما أصدر حراك أهالي سوق الجمعة بيانا مشابها أعلنوا فيه رفضهم “دخول أي قوة مسلحة إلى طرابلس وعودة التوترات العسكرية”. محذرةً من أن هذا التصعيد “تطور خطير”، قالت البعثة الأممية لدى ليبيا في بيان إنها تتابع “بقلق استمرار حشد القوات والأسلحة الثقيلة حول طرابلس”.
-
الدبيبة يسعى لتوسيع نفوذه: محاولات السيطرة على مؤسسة النفط
-
الدبيبة يرد على ضغوط الرحيل بالدعوة إلى انتخابات شعبية مباشرة
وتابعت “هناك تقدم في المحادثات بشأن الترتيبات الأمنية في طرابلس والمستمرة منذ يونيو/حزيران الماضي، تحت رعاية المجلس الرئاسي وفي إطار لجنة الترتيبات الأمنية”.
ودعت البعثة “جميع الأطراف إلى مواصلة الحوار لحل المسائل محل الخلاف، وممارسة أقصى درجات ضبط النفس، لتجنب تصعيد التوترات أو تعريض المدنيين للخطر”.
وفي الاتجاه ذاته أكد الاتحاد الأوروبي، عبر بيان “ضرورة تجنب أي أعمال قد تهدد استقرار العاصمة”. ودعا إلى “الانسحاب الفوري للقوات من المناطق السكنية، حفاظا على سلامة المدنيين”.
كما قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط في بيانه، إنه يشعر “بقلق بالغ إزاء تصاعد التوتر والتحشيد العسكري غرب ليبيا، خاصة ما يخص حشد قوات عسكرية بالقرب من طرابلس”.
-
مظاهرات مدفوعة.. انتقادات لحكومة الدبيبة بسبب تعبئة موظفين حكوميين
-
مظاهرات في طرابلس تطالب برحيل الدبيبة وحكومته
وحذر من أن “استمرار هذا النهج قد يعرض البلاد لخطر الانزلاق مجددا في دوامة الصراع، بما له من تداعيات على أمن ليبيا ووحدتها”.
وضمن مساعٍ لاحتواء التوتر الراهن، عقد محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي، بصفته القائد الأعلى للجيش، اجتماعا مع رئيس الأركان العامة محمد الحداد. وجرى بحث التطورات الأمنية والعسكرية وجهود التهدئة وتحقيق الاستقرار واستمرار وقف إطلاق النار في العاصمة، بحسب بيان للمجلس.
كما بحث المنفي مع وفد من بلدية طرابلس “جهود تحصين العاصمة من شبح الحرب وتجنيبها دوامة الصراع المسلح”، وفق بيان للبلدية.
وناقش المنفي كذلك مع أعيان وحكماء مناطق الساحل الغربي “دور المجلس (الرئاسي) في احتواء الأزمة عبر تعزيز قنوات التواصل والتنسيق مع البعثة الأممية، لنزع فتيل المواجهات وتجنيب العاصمة ويلات الصراع”.
-
بعد مقتل غنيوة.. صعود لافت للميليشيات الموالية لحكومة الدبيبة
-
النيابة العامة تأمر بحبس وزير الصحة ومسؤولين في حكومة الدبيبة
وأكدت لجنة الترتيبات الأمنية والعسكرية المشكلة من المجلس الرئاسي، في بيان، “التزامها بمهامها المقررة في تعزيز الاستقرار ودعم المسار الأمني والعسكري “. وشددت على “أهمية الالتزام الصارم بوقف إطلاق النار، باعتباره أساسا للحفاظ على الأرواح والممتلكات، وضمان استمرار العملية السياسية والأمنية”.
ودعت اللجنة “جميع الوحدات والتشكيلات العسكرية والأمنية إلى الانضباط، وتجنب أي تصرفات أحادية قد تهدد أمن المواطنين”.
وطالبت “برجوع جميع القوات والوحدات إلى مناطقها ومعسكراتها فورا، والامتناع عن أي تمركز أو انتشار غير مشروع داخل المدن أو خارج نطاق التكليفات الرسمية”.
وفي محاولةً الدفع نحو التهدئة، أكدت الممثلة الأممية هانا تيتيه “دعم جهود المجلس الرئاسي للوصول إلى اتفاق يحول دون عودة العنف في طرابلس”.
-
هل يفتح لقاء الدبيبة وحماد باب المصالحة في ليبيا؟
-
الصحافة الليبية في حملة دعائية.. دعم واسع لقائد ميليشاوي مقرب من الدبيبة
جاء ذلك في تسجيل مصور عقب لقائها الثلاثاء الماضي “مجموعة من لجان التواصل .وأعيان المنطقة الغربية من طرابلس وسوق الجمعة وتاجوراء والزاوية ومصراتة وورشفانة والزنتان والجبل الغربي”.
كما رحب الرؤساء المشاركون في مجموعة العمل الأمنية لعملية برلين. (مجموعة دولية منبثقة عن اجتماع برلين بشأن ليبيا عام 2020)) بالجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق بين حكومة الوحدة و”جهاز الردع”.
ودعا الرؤساء المشاركون (ممثلون عن الاتحاد الإفريقي .وتركيا والولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا ومصر)، في بيان عقب اجتماعهم الخميس الماضي إلى “تسوية سلمية عاجلة”.
كما دعوا إلى “تنفيذ أي اتفاق يتم التوصل إليه في أقرب وقت، وتحصينه بإطار زمني محدد”.
واعتبر الخبير بالشأن الليبي خيري سعدون أن “مساعي حكومة الوحدة الوطنية غير بريئة تماما”.
-
ملف الإيفاد الدراسي يكشف فسادًا واسعًا في حكومة الدبيبة
-
محتجون يرفعون مطالب برحيل الدبيبة على خلفية تصريحات المنقوش
وأضاف أن “حكومة الوحدة تنوي القضاء على تشكيلات مسلحة غير داعمة لها، في مقابل تقوية أخرى موالية لها”. ورأى أن “الصحيح هو القضاء على جميع التشكيلات المسلحة التي لا يحمل قادتها ولا منتسبيها أرقاما عسكرية (غير منتمية فعليا للمؤسسات العسكرية والأمنية الرسمية). بغض النظر عن انتسابهم شكليا لأجهزة الدولة كوزارتي الدفاع والداخلية”.
وتابع “الحكومات المتعاقبة بطرابلس دعمت التشكيلات المسلحة. وآن الأوان أن ينتهي وجودها تماما، مقابل تقوية الأجهزة الأمنية النظامية”.
ونبّه سعدون لأمر وصفه بـ”الهام والخطير”، قائلا إن “سجون جهاز الردع ممتلئة بالإرهابيين”. وتابع بأنه “يجب أن تكون هناك خطة لدى حكومة الدبيبة لاحتواء الأمر. إذا ما تمت مواجهات مسلحة مع الردع، والتي من الممكن أن تتسبب في فرار السجناء”.
وأكد أن “المجتمع الدولي يعرف تلك المعلومات، لذلك يسعى لمنع مواجهات بين الحكومة وجهاز الردع”.
وثمة “مساعٍ للوصول الي اتفاق يمنع الحرب وفرار الإرهابيين من تلك السجون. وبينهم مطلوبون دوليون”، كما ختم سعدون.