تركيا تمر بأسوأ كارثة إنسانية.. التفاصيل
صرح خبراء وسياسيون معارضون للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه كان يمكن لتركيا أن تتفادى خسائر كارثية في الزلزال العنيف. الذي ضرب عشر مدن وخلف عشرات آلاف القتلى، محملين حكومة حزب العدالة والتنمية المسؤولية السياسية والأخلاقية عن الحصيلة الكارثية للضحايا.
حسابات انتخابية
ارتكبت الحكومة التركية خطأ جسيما في العام 2018 لحسابات انتخابية حين دفع حزب العدالة والتنمية الحاكم. لإقرار تشريع يعفي مئات الآلاف من مالكي العقارات والمطورين العقاريين من الامتثال لقانون مشدد حول البناء في المناطق الواقعة على صدع زلزالي. في محاولة بدت في الحملة الانتخابية حلا لأزمة إسكان، بينما كانت العين على استقطاب الناخبين حينها.
وكان يمكن أن لا تثار أسئلة حول نتيجة ذلك القرار لولا أن أثقل حصيلة قتلى كانت في المناطق التي أعفيت فيها مشاريع عقارية من قانون يضبط معايير مشددة تراعي خطر البناء على صدع زلزالي. لكن اتضح فجر السادس من فبراير أن آلاف المباني التي انهارت فوق رؤوس ساكنيها كانت مشمولة بالتشريع الذي أعده وأقره حزب العدالة والتنمية الحاكم.
وعلى وقع الكارثة وفي الوقت الذي تحاول فيه تركيا التعامل مع الدمار الناجم عن زلزال بقوة 7.8 درجة هز جنوب البلاد، تثار تساؤلات حول تلك الإجراءات التي ربما أدت إلى تفاقم آثار الزلزال لا سيما تلك المتعلقة بتراخيص البناء والعفو عن مطورين ومالكي عقارات في 2018.
وبعد وقت قصير من دخول التشريع حيز التنفيذ، حذر رئيس فرع اتحاد غرف المهندسين والمعماريين الأتراك في أنقرة سليم تولومطاش في تصريحات لوسائل الإعلام التركية من أن التشريع يعرض حياة 2.7 مليون شخص في جميع أنحاء البلاد للخطر لأنهم يعيشون في المباني المشيدة بشكل رديء.
واستفاد ما مجموعه 438 ألف مالك عقار من التشريع وتمت الموافقة على مبانيهم بدفع غرامة مالية دون الحاجة إلى الالتزام بقانون البناء، مما يضع مسؤولية الاستعداد للزلازل على عاتق أصحاب العقارات ومن خلفهم حكومة حزب العدالة والتنمية.
وانتشر مقطع فيديو يظهر الرئيس أردوغان وهو يتفاخر بهذا التشريع. ويقول في المقطع في مسيرات في كهرمان مرعش وهاتاي وغازي عنتاب في عام 2019، وهي من بين أكثر المقاطعات تضررا من زلزال الأسبوع الماضي، إن حكومته “حلت مشاكل” 438 ألف شخص من خلال قانون العفو الخاص بالبناء.
وأثار مقطع الفيديو الذي انتشر على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي. انتقادات واسعة النطاق لأردوغان لتعريض حياة الناس للخطر من خلال السماح بانتهاكات البناء في بلد يقع على خطوط صدع زلزالي رئيسية.
قال زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كيليجدار أوغلو في اجتماع لحزبه في عطلة نهاية الأسبوع “لقد حولوا المباني التي يعيش فيها الناس إلى قبور وأخذوا أموالهم في المقابل”، منتقدا حكومة حزب العدالة والتنمية التي أقرت التشريع المثير للجدل.
وغرد تونكاي أوزكان القيادي في حزب الشعب الجمهوري وهو يشارك فيديو أردوغان: “هكذا دعا إلى الكارثة”. وقال جمال إنجينورت نائب رئيس الحزب الديمقراطي المعارض على تويتر “يقول أردوغان إنه حل مشاكل الناس في كهرمان مرعش وغازي عنتاب وهاتاي بعفو البناء. نعم أنت فعلت. أصبح الملايين بلا مأوى. لقد قُتل عشرات الآلاف من أبناء شعبنا. لقد رأى العالم بأسره كيف قمت بحلها”.
وفي أعقاب زلزال قوي آخر في منطقة مرمرة التركية في أغسطس 1999 والذي خلف أكثر من 17000 قتيل. شددت تركيا قانون البناء الخاص بها لجعل المباني أكثر مقاومة للزلازل ولكن كانت هناك دائما أوجه قصور في تنفيذ القانون وجاء عفو البناء كضربة للجهود الرامية إلى تشييد مبان أكثر أمانا.
ودخل أول تشريع من هذا النوع حيز التنفيذ في عام 1984 وتم دفعه عدة مرات من قبل الحكومات اللاحقة لكسب التأييد.
ووفقا لكتيب حول العفو الذي شمل مئات الآلاف من المطورين وملاك العقارات والمقاولين نشرته وزارة البيئة والتحضر وتغير المناخ في عام 2018، تم تشييد أكثر من 50 بالمائة من المباني في تركيا في انتهاك لقانون البناء الحالي.
وقال وزير البيئة مراد كوروم ردا على أحد السياسيين المعارضين الذي وجه إليه أسئلة في أكتوبر، إنه تمت الموافقة على 7085.969 مبنى تماشيا مع قانون العفو المتعلق بالبناء منها 5858.927 مبنى سكني.
وأعقب الزلزال الأخير الذي بلغت قوته 7.8 درجة بالقرب من مدينة غازي عنتاب، بينما كان الناس نائمين في 6 فبراير ، عشرات الهزات الارتدادية بما في ذلك زلزال بقوة 7.5 درجة هز المنطقة وسط جهود البحث والإنقاذ في نفس اليوم.
وتتوقع الأمم المتحدة ومراكز بحثية مختصة في علم الجيولوجيا أن تبلغ حصيلة القتلى في الزلزال الأخيرة قرابة 60 ألف بالنظر إلى انتهاء الفترة التي يحددها العلماء والمختصون لفرص البقاء على قيد الحياة بعد الزلزال.
ومر أسبوع تقريبا على وقوع أعنف زلزال في تركيا وسوريا، فيما تتواصل جهود البحث عن ناجين محتملين وبالفعل تم انتشال خمسة أشخاص بعد أكثر من 200 ساعة مرت على الكارثة، لكن مع كل دقيقة تمر تتضاءل بشدة فرص العثور على أحياء.