تكساس تعيد فتح الملف الأميركي المسكوت عنه… ما وراء قرار تصنيف الإخوان وكير
في لحظة سياسية لافتة، اختارت ولاية تكساس أن تخرج عن الإيقاع الفيدرالي المعتاد وتعلن تصنيف جماعة الإخوان المسلمين ومجلس العلاقات الأميركية الإسلامية “كير” كمنظمات إرهابية وإجرامية عابرة للحدود. هذه الخطوة لا يمكن التعامل معها كحدث منفصل أو مجرد مبادرة محلية، بل هي جزء من تحوّل أعمق يعيد طرح سؤال ظلّ مطويًا في الداخل الأميركي: كيف يجب أن تتعامل الولايات المتحدة مع التنظيمات العابرة للحدود ذات الطابع الأيديولوجي التي تلامس المجال الديني والسياسي في آن واحد؟
ما قامت به تكساس لم يكن مجرد إعلان سياسي، بل إعادة تعريف لطبيعة التهديد الذي ترى الولاية أنه يتشكل داخل بيئات تبدو في ظاهرها مدنية وحقوقية. فالولاية تقول بوضوح إن الإخوان ليسوا مجرد حركة سياسية في الشرق الأوسط، بل إطار فكري وتنظيمي يمتد إلى الولايات المتحدة عبر شبكات علاقات ومنظمات تعتبرها تكساس جزءًا من “منظومة التأثير الناعم”. وهو مفهوم يعكس انتقال النقاش الأميركي من مواجهة التطرف العنيف إلى مراقبة البنى الفكرية والتنظيمية التي قد تشكل قاعدة أيديولوجية لمشاريع مستقبلية.
من الواضح أن الحاكم غريغ أبوت يدرك حساسية الموقف، ولذلك قدّم القرار كإجراء وقائي يستند إلى تجارب دول سبق أن خاضت صراعًا مباشرًا مع الإخوان، معتبرًا أن تجاهل التحولات الفكرية والتنظيمية للتنظيم يشكّل خطأ استراتيجيًا يمكن أن تدفع أميركا ثمنه لاحقًا. هذا التوجّه يجسد رؤية سياسية واضحة: أن مواجهة التطرف يجب أن تبدأ قبل لحظة العنف، وأن “المعركة الفكرية” – بحسب وصف أبوت – لا تقل أهمية عن الإجراءات الأمنية.
Today, I designated the Muslim Brotherhood and Council on American-Islamic Relations as foreign terrorist and transnational criminal organizations.
This bans them from buying or acquiring land in Texas and authorizes the Attorney General to sue to shut them down. pic.twitter.com/lSYvpkTmh3
— Greg Abbott (@GregAbbott_TX) November 18, 2025
لكن في المقابل، يرى منتقدو القرار أن خطوة تكساس قد تنزلق نحو خلط خطير بين النشاط الديني المشروع وبين العمل السياسي غير المشروع، وأن إدراج منظمة مدنية مثل “كير” ضمن خانة الإرهاب قد يفتح الباب لسوابق قانونية تمسّ الحريات الدينية والمدنية للمسلمين الأميركيين. كما أن الجدل القانوني حول صلاحية الولايات في اتخاذ مثل هذه القرارات سيعيد إلى الواجهة الإشكاليات الدستورية المتعلقة بتقاطع صلاحيات الولايات مع الحكومة الفيدرالية.
ورغم هذا الجدل، فإن قرار تكساس يكشف عمق التحول الجاري داخل الوعي السياسي الأميركي، حيث باتت بعض الولايات ترى أن خطر التنظيمات العابرة للحدود لا يقتصر على التمويل أو النشاط المباشر، بل يمتد إلى آليات التأثير المجتمعي وصناعة سرديات فكرية طويلة المدى. وهو تحول يعكس أيضًا واقعًا دوليًا يتغير، حيث لم تعد الولايات المتحدة بمعزل عن الصراعات الفكرية والإيديولوجية التي تشكل خريطة الشرق الأوسط.
وبين سرديتين؛ الأولى تعتبر الإخوان حركة سياسية ذات أهداف أيديولوجية توسعية، والثانية ترى أن إدراجهم ضمن لوائح الإرهاب يهدد النسيج المدني الأميركي، يبدو أن الطريق أمام هذا الملف سيبقى مفتوحًا على احتمالات واسعة. فالمعركة أمام المحاكم قد تطول، والجدل داخل الكونغرس قد يتصاعد، وربما يصبح قرار تكساس مقدمة لمسار سياسي أوسع يعيد تشكيل العلاقة بين الدولة الأميركية وتيارات الإسلام السياسي.
في النهاية، قد لا يكون قرار تكساس مجرد خطوة إدارية محلية، بل بداية مرحلة جديدة في جدل لم يحسم منذ عقود. مرحلة سيكون عنوانها الأكبر: كيف يمكن للولايات المتحدة أن توازن بين حماية أمنها القومي والحفاظ على منظومة حرياتها المدنية، في زمن تتقاطع فيه الأفكار العابرة للحدود مع صراعات الهوية والسياسة والدين؟
