توتر لا يمنع الحوار… ليبيا واليونان تبحثان مجددًا ملف ترسيم الحدود

بدأت اليونان جولة جديدة من المفاوضات مع وفد وزارة الخارجية الليبية لاستئناف محادثات ترسيم الحدود البحرية، في ظل التوترات المستمرة الناشئة عن مذكرة التفاهم الموقعة بين ليبيا وتركيا عام 2019، والتي أثارت جدلا واسعا على المستوى الدولي حول حقوق السيادة والحدود البحرية في منطقة شرق البحر المتوسط.
ومن المقرر أن تركز المحادثات على عدد من الملفات الحيوية، أبرزها ترسيم الحدود بين المناطق الاقتصادية الخالصة والجرف القاري للبلدين، وتعزيز أواصر التعاون الاقتصادي والتجاري الثنائي.
وتناقش سبل معالجة أزمة الهجرة غير النظامية، خاصة في ظل التزايد الملحوظ في تدفق المهاجرين نحو جزيرة كريت اليونانية، وفقاً لما أوردته مصادر إعلامية محلية.
وأعرب الجانب اليوناني عن أمله في أن تثمر هذه الجولة عن وضع إطار عمل واضح وجدول زمني محدد لاستئناف المفاوضات بشكل فعّال. هذا وسبق أن وجهت حكومة الوحدة الوطنية الليبية مذكرة احتجاج رسمية إلى الأمم المتحدة في 20 يونيو/حزيران الماضي، أعربت فيها عن رفضها للمطالبات اليونانية المتعلقة بالحدود البحرية.
كما سيبحث الجانبان سبل توسيع نطاق الشراكات التجارية والاستثمارية، وتعزيز التعاون الثنائي لمواجهة تحديات الهجرة غير النظامية، بما يُسهم في تحقيق الاستقرار الأمني والاقتصادي المنشود في المنطقة.
وجددت ليبيا تأكيدها على حقوقها السيادية في البحر المتوسط، وذلك بعد أن قدمت اليونان مذكرة احتجاج إلى الأمم المتحدة تعترض فيها على الإيداع الليبي الأخير بشأن ترسيم مناطقه البحرية.
ونشرت صحيفة “الكاثميريني” اليونانية أن الحكومة اليونانية قدمت رسالة رسمية إلى الأمم المتحدة بتاريخ 3 سبتمبر/ أيلول 2025، ترفض فيها مطالبات ليبيا الأخيرة بشأن تحديد حدود مناطقها البحرية.
وأكدت أثينا أن هذه المطالبات تستند إلى مذكرة تفاهم بين تركيا وليبيا، وتعتبرها غير قانونية لأنها تتجاهل حقوق الجزر اليونانية وتتعارض مع القانون الدولي.
وجاء في الرسالة ردًا على تقرير ليبيا المقدم في 27 مايو/ أيار 2025، والذي حدد بشكل أحادي الحدود الخارجية لمنطقة ليبيا الاقتصادية الخالصة في البحر المتوسط.
وأكدت اليونان أن ترسيم الحدود البحرية جنوب جزيرة كريت والتخطيط المكاني البحري الأوسع يتوافقان تمامًا مع اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.
كما رفضت الرسالة الحجة الليبية التي تقضي بأن الخط الأوسط للحدود يجب أن يُرسم بناءً على السواحل القارية فقط، وهو الموقف الذي تتبناه تركيا أيضًا.
ودافعت أثينا عن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي أبرمتها مع مصر عام 2020، مشددة على أن الاتفاقية تمت بين دولتين متقابلتين على الساحل وتتوافق مع القانون الدولي. وأشارت إلى أن تقديم ليبيا لحدود منطقتها الاقتصادية الخالصة تم باستخدام خطوط أساس متنازع عليها، مما يؤثر على شرعية الطلب.
ورغم ذلك، أعربت اليونان عن استعدادها لاستئناف المفاوضات مع ليبيا بشأن ترسيم الحدود البحرية بشرط أن تتم وفق القانون الدولي.
ويقول موقع بروتوثيما إن اليونان ترفض بشكل قاطع ادعاءات ليبيا بأن القطع الواقعة غرب وجنوب غرب جزيرة كريت، وكذلك التخطيط المكاني البحري، تنتهك حقوق ليبيا. وتؤكد على أن الحدود التي حددتها الاتفاقيتان اليونانية المصرية واليونانية الإيطالية، وكذلك إلى القانون رقم 4001/2011، الذي يُحدد الحد الخارجي للمنطقة الاقتصادية الخالصة اليونانية كخط وسط حتى يجرى التوصل إلى اتفاق ثنائي.
أما فيما يتعلق بمطالبة ليبيا بضرورة ترسيم الحدود على طول خط الوسط بين السواحل الرئيسية لليبيا واليونان فيرى الموقع التركي أن هذا موقف يعكس حجة تركيا التقليدية برسم خط وسط بين السواحل القارية فقط.
وجاء الرد اليوناني في هذا الشأن قاطع، مؤكدًا أنه “وفقًا للمادة 121 من الاتفاقية، التي تعكس القانون الدولي العرفي، لجميع الجزر اليونانية مناطق بحرية شأنها شأن أي إقليم بري آخر. وبالتالي، يجب رسم كل خط وسط بين اليونان وليبيا بالرجوع إلى نقاط الأساس في الجزر اليونانية المعنية”.
لكن ليبيا تؤكد أن مبدأ الخط الأوسط المبني على السواحل القارية هو الأكثر عدالة في ترسيم الحدود البحرية، وهو ما تدعمه سوابق قضائية دولية ويؤيده عدد من الدول المطلة على المتوسط.
ويرى خبراء قانون دولي أن إصرار اليونان على منح جزر صغيرة مثل كريت مناطق بحرية واسعة بشكل غير متناسب يتعارض مع مبدأ الإنصاف المنصوص عليه في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار بينما ينسجم الموقف الليبي مع القواعد الدولية ويحافظ على المصالح الاقتصادية والاستراتيجية للدولة الليبية.
وفي حزيران/يونيو الماضي، أشعلت أزمة التنقيب عن الغاز في مناطق بحرية متنازع عليها خلافاً دبلوماسياً بين ليبيا واليونان، حيث استدعت طرابلس السفير اليوناني على خلفية ما وصفتها بـ”الخطوات الأحادية” التي اتخذتها أثينا في مناطق بحرية متنازع عليها.
وأعلنت حكومتا الدبيبة وحماد رفضهما لطرح اليونان عطاءات تنقيب جنوب كريت، معتبرتين الخطوة انتهاكًا للسيادة، ومؤكدتين ضرورة الحوار لتسوية النزاع البحري القائم.