جذور العنف عند جماعات الإسلام السياسي
عندما سئل أيمن الظواهري، زعيم تنظيم “القاعدة” الإرهابي، عما أثر فيه لتكوين جماعة متطرفة في مصر ثم أفغانستان، رد بأنه تأثر أولا بكتابات سيد قطب، كركيزة أولى لأفكاره نحو العنف.
سيد قطب، أحد أهم رموز تنظيم الإخوان الإرهابي، والمسؤول عن تشكيل وعي أعضاء التنظيم، فأفكاره مثلت التربة التي شكلت عقل التنظيم وأتباعه، وكتاباته يتم تدريسها في المحاضن التربوية لعناصر التنظيم.
سيد قطب لم يكن مجرد قيادي في تنظيم الإخوان الإرهابي، ولكنه كان عضوًا فيما سمي مكتب “إرشاد الإخوان”، أعلى سلطة تنفيذية في الجماعة، وكان مسؤولا عن قسم “نشر الدعوة”، المعني في الأساس بالبناء الفكري والتربوي لأعضاء التنظيم.
“قطب” هو المؤسس الثاني لتنظيم الإخوان وأيقونة العنف لكل جماعات الإسلام السياسي، عبر كتاباته، التي تمكن بها من تأسيس مفهوم “جاهلية المجتمع”، ومنها انتقل لمفهوم “التكفير الصريح” للمجتمع، والذي مثل، ولا يزال، قاعدة العنف عند كل الجماعات المتطرفة.
ميلاد فكر العنف عند جماعات الإسلام السياسي تم على مرحلتين، إحداهما على يد المؤسس الأول للإخوان، حسن البنا، والذي أعلن عنه في رسالة المؤتمر الخامس عام 1939، وكان إيذانًا بتأسيس “جناح مسلح” للجماعة أطلق عليه “البنا” وقتها اسم “النظام الخاص”.
ثم المرحلة الثانية للعنف جاءت على يد المؤسس الثاني للتنظيم، سيد قطب، والذي رسخ أفكار العنف، فكما أسس “البنا” التنظيم، بلور “قطب” أفكار العنف داخله وفي نفوس أعضائه.
هنا يمكن اعتبار أن الأساس الفكري والمنهجي للعنف بدأ مع جماعة الإخوان الإرهابية، فقد كانوا بمثابة المعين الخصب للعنف، ومنه انتقل إلى كل جماعات التطرف والإرهاب، سواء المحلية أو الإقليمية أو حتى العابرة للحدود والقارات.
“الظواهري” أكد قبل ذلك أن أستاذه أسامة بن لادن، مؤسس تنظيم “القاعدة” الإرهابي، كان من الإخوان، وذلك عبر تسجيل صوتي لا تزال تحتفظ به شبكة المعلومات الدولية، “الإنترنت”، كما أعلن في كتابه “فرسان تحت راية النبي” أنه سافر إلى أفغانستان بترشيح من الإخوان، فقد كان يعمل في الجمعية الطبية، التي أنشأها أحمد الملط، نائب مرشد الإخوان الأسبق، وقد كانت إحدى مؤسسات التنظيم في الثمانينات من القرن الماضي.
فتشكيل تنظيم “القاعدة” الإرهابي إذًا يعود في الأساس بأفكاره ومنهجه وبنائه إلى الإخوان، كما أن تنظيم “القاعدة” مثّل فيما بعد النواة الأولى لتنظيم “داعش” الإرهابي، وكلا التنظيمين عاشا على أفكار سيد قطب والإخوان.
لذلك لا يمكن الحديث عن مواجهة تنظيمات الإسلام السياسي أو تنظيمات العنف والتطرف دون مواجهة الإخوان وتفكيك أفكارهم، التي شكّلت العقل الجمعي لتنظيمات الإرهاب، التي حلت بالدمار والخراب على ديار العرب والمسلمين، ومنها انتقلت إلى أوروبا.
كثير من دول العالم يُدرك حقيقة الإخوان وعلاقتهم بالعنف قديمًا وحديثًا، ولكن هذه الدول لا ترغب في مواجهة هذا التنظيم، بل إن بعض هذه الدول تستثمر في تنظيمات الإسلام السياسي، وهو ما يضر بالأمن والسلم الدوليين، وهنا لا بد من مواجهة فكرية أولا، فخطر الإخوان الحقيقي في أفكارهم، فها هو شكري مصطفى، أحد قادة الإخوان المسلمين، ينشئ جماعة أطلق عليها “جماعة المسلمين”، والمعروفة بـ”جماعة التكفير والهجرة”، إذ كفّر المجتمع وقاتله بعد أن تم إعداده وتربيته في محاضن الإخوان على وقع أفكار سيد قطب.
العجيب في أمر الإخوان وسيد قطب، أن الجماعة تنفي ارتكاب الثاني أحداث عنف وتعتبره منظّرها الأول وتقوم بتدريس أفكاره، بينما الثاني يعترف بذلك ولا يجد غضاضة في هذا الاعتراف، الذي كشفته وثيقة كتبها بيده قبل أن ينفذ فيه حكم الإعدام، وكان عنوانها “لماذا أعدموني”.
اعترف “قطب” في هذه الوثيقة بأنه أنشأ خلايا سرية بغية مواجهة نظام الحكم في مصر خلال فترة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ويعترف فيها أنه كان أميرًا لتنظيم هدفه الأساسي “اغتيال رئيس الدولة”، وأنه كان “أبًا روحيًّا لهذا التنظيم”، وأنه وضع المخططات العسكرية، ثم تم إلقاء القبض عليه لهذا السبب، ومن ثم صدر حكم بإعدامه نُفّذ بعد أن تأكدت جهات التحقيق من التهم الموجهة إليه.