حرية الدين أم سياسات الاندماج؟ النمسا تثير الجدل بحظر الحجاب على الفتيات

في خطوة أثارت جدلًا واسعًا داخل الأوساط الأوروبية، تسعى الحكومة النمساوية إلى إقرار قانون جديد يمنع الفتيات تحت سن الرابعة عشرة من ارتداء الحجاب داخل المدارس، ولا يقتصر المقترح على المدارس الحكومية فحسب، بل يمتد ليشمل المدارس الخاصة وحتى الإسلامية، ما يجعله أكثر شمولًا من القوانين السابقة التي حاولت تقنين المظهر الديني في الفضاء التعليمي.
وبحسب ما أورده موقع “شيا ويفز” نقلًا عن صحيفة “كرونين تسايتونغ” النمساوية، فإن مشروع القانون يتضمن فرض غرامات مالية على أولياء الأمور الذين يسمحون لبناتهم بارتداء الحجاب في المدارس. الغرامات تبدأ بمئات اليوروهات، وقد تتجاوز الألف في حال تكرار المخالفة، فيما يلزم المشروع المعلمين بالتبليغ عن أي انتهاك داخل الفصول الدراسية، وتعكس هذه الإجراءات تشددًا متزايدًا من الحكومة تجاه ما تعتبره “رموزًا للتطرف الديني”.
وزيرة الاندماج كلوديا بلاكهولم وصفت الحجاب بأنه “رمز للقمع”، مؤكدة أن الهدف من المشروع حماية القاصرات من ضغوط أسرية أو دينية قد تحد من حريتهن الفردية.
وتعتبر الحكومة أن هذه الخطوة تأتي في إطار سياسة أوسع لمكافحة ما تسميه “الإسلام السياسي”، ولتعزيز قيم الاندماج والتكامل الاجتماعي داخل المجتمع النمساوي، غير أن هذه التبريرات لم تمنع موجة من الانتقادات من قبل خبراء قانونيين ومنظمات حقوقية.
الإحصاءات تكشف أن آلاف الفتيات سيتأثرن بشكل مباشر بهذا القرار، حيث تشير التقديرات إلى أن ما بين تسعة آلاف واثني عشر ألف طفلة في العاصمة فيينا وحدها يرتدين الحجاب. كما أن ثلث طلاب المدارس على مستوى النمسا ينحدرون من أصول مهاجرة، ما يجعل تطبيق القانون أكثر تعقيدًا وحساسية، خاصة في المدن الكبرى ذات التنوع الديمغرافي.
وليست هذه المحاولة الأولى من نوعها؛ فقد سبق أن أقرّ الائتلاف الحاكم في عام 2019 قانونًا يحظر الحجاب على الفتيات دون سن الحادية عشرة، لكن المحكمة الدستورية ألغته عام 2020 باعتباره مخالفًا لمبدأ حرية الدين. العودة إلى طرح قانون جديد أكثر صرامة تعكس إصرار الحكومة الحالية على المضي في توجهها، حتى وإن كان مصيره مهددًا بمراجعة قضائية مشابهة.
الجدل القانوني والسياسي ما زال محتدمًا؛ فبينما ترى الحكومة أن القرار يحمي الأطفال ويعزز التكامل، يعتبره معارضون تعديًا صريحًا على الحريات الفردية وحرية المعتقد الديني.
وبذلك تتحول قضية الحجاب في النمسا إلى ساحة اختبار جديدة لحدود التوازن بين حقوق الأقليات وسياسات الاندماج، وسط مراقبة أوروبية ودولية حثيثة لنتائج هذا المسار.