اخترنا لكم

حرية الملاحة البحرية وجرائم مليشيا الحوثي


مع قيام مليشيا الحوثي باختطاف سفينة “روابي” المدنية، التي ترفع علم الإمارات، والتعامل معها بمنطق القنص البحري، فإن مسارات الحوثيين تنذر بالخطر.

وذلك في ظل تصاعد الخطر الحوثي على أمن الإقليم بأكمله، ما قد يؤدي إلى مزيد من التوتر وعدم الاستقرار، بل والعبث بثوابت الاستقرار الأمني البحري من جراء الممارسات الحوثية، وتهديد أمن السفن العالمية ومحاولة نقل رسالة سياسية واستراتيجية، مع تجاهل قواعد القانون الدولي.

كل المقررات الحاكمة للموقف البحري استقواءً بتدخلات إقليمية يمكن أن تمثل تهديدا حقيقيا ومتواترا لأمن المنطقة، وهو ما يتطلب مراجعة المواقف والسياسات الدولية الراهنة، في ظل غياب ردود فعل معتبرة، إذ توقفت كلها عند حدود الشجب والإدانة للممارسات الإجرامية لميلشيا الحوثي، دون تبني استراتيجيات حقيقية وجدية في التعامل معها، خاصة أن ما تقوم به مليشيا الحوثي يمثل تهديدا لأمن الملاحة البحرية في “باب المندب”، حيث كانت السفينة الإماراتية المستهدفة تحمل معدات طبية، وهو الأمر الذي يعتبر بمثابة عملية قرصنة من الطراز الأول، بما يمثله الحوثيون من خطر على مسارات التجارة العالمية بمضيق “باب المندب” وجنوب البحر الأحمر، ومن ثم قد يكون من حق قوات التحالف اتخاذ إجراءات وتدابير على المستويات كافة للتعامل مع هذا الانتهاك الحوثي، بما فيها استخدام القوة المباشرة.

ولا شك أن التهديدات الحوثية المستمرة للملاحة البحرية لم تكن وليدة اليوم، بل إن المليشيا تمتلك سجلا أسود في هذا الجانب، منذ انقلابها على السلطة الشرعية في اليمن.

ونشير هنا إلى إعلان التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية عن رصد تحركات ونشاطات عدائية لمليشيا الحوثي، متمثلة في استخدام زوارق مفخخة وطائرات مسيّرة، الأمر الذي يشير إلى وجود خطر وشيك على التجارة العالمية في جنوب البحر الأحمر.

ولا شك أن مليشيا الحوثي الإرهابية تتحمل المسؤولية الكاملة نتيجة فعلها الإجرامي بقرصنة السفينة، وانتهاك مبادئ القانون الدولي الإنساني.

يشار إلى أن التحالف والحكومة اليمنية الشرعية، فضلاً عن الولايات المتحدة وغيرها من دول العالم، حذرت من تهديد مليشيا الحوثي -المدعومة من إيران- للملاحة الدولية في البحر الأحمر، بما تمثله من مخاطر على أمن الإقليم بأكمله، في منطقة تعد من أهم خطوط الملاحة في العالم، ولا جدال أن الضربات التي حققتها قوات العمالقة في شبوة “جنوبا”، أثرت بالسلب على توجهات ومسارات تحرك الحوثيين وإيران، ما دفع مليشيا الحوثي لتنفيذ اختطاف السفينة “روابي”.

إحصائيا، وللتدليل على خطر مليشيا الحوثي وممارساتها الإجرامية في الإقليم، فإن العدد المتوسط لهجماتها على السعودية كمعدل دوري ارتفع بأكثر من ضعفين خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2021 مقارنة بالفترة المماثلة من 2020، وبمعدل 38 إلى 78 هجوما شهريا، كما استخدام الحوثيون أسلوب مهاجمة ناقلات نفطية والأهداف البحرية الأخرى، حيث نفذت المليشيا 24 هجوما أو محاولة هجوم من هذا النوع على الأقل باستخدام طائرات مسيرة خلال الفترة بين يناير 2017 ويونيو 2021، معظمها في محيط موانٍ يمنية، وقد تم ذلك عبر قيام “فيلق القدس” بتدريب الحوثيين وإمدادهم بترسانة متزايدة من الأسلحة والتكنولوجيات العسكرية الحديثة، بما فيها صواريخ مواجهة مضادة للدبابات، وألغام بحرية وطائرات مُسيّرة مفخخة، وقوارب مسيرة.

ومعلوم أن الهجمات الحوثية، التي تتم بواسطة طائرات مسيرة، واستخدام مجموعات مسلحة إقليمية تمثل أسلوبا تستخدمه إيران لتعزيز نفوذها في المنطقة.

هذا السلوك الإجرامي لمليشيا الحوثي أدى لوضع مأساوي لليمن كدولة، وتسبب في وفاة 377 ألف شخص من خلال التأثيرات المباشرة وغير المباشرة، وارتبط في إطاره بحاجة أكثر من 80% من سكان اليمن -وعددهم نحو 30 مليون نسمة- إلى مساعدات إنسانية، فيما تصفه الأمم المتحدة بأنه “أسوأ أزمة إنسانية في العالم”، دون أن تتبنى مقاربة في التعامل الجدي معه.

الغريب أن مليشيا الحوثي اعترفت بكل ما يجري، خاصة في مجال تردّي الوضع الصحي وتفشي عدد من الأوبئة والأمراض في مناطق ومدن واقعة تحت سيطرتها في اليمن، وذلك بالتوازي مع اتهامات عدة وجّهها ناشطون ومنظمات حقوقية للمليشيا باستمرار فسادها وإهمالها، اللذين قادا إلى تراجع الخدمات الصحية وانتشار الأوبئة، التي لا تزال تهدد صحة وحياة الملايين من أبناء الشعب اليمني، وفي ظل ما يشهده اليمن من موجة تصعيد جديدة من الصراع العسكري بين القوات الحكومية من جهة، ومسلحي “الحوثي” المدعومين من إيران من جهة أخرى.

إن الشعب اليمني يدرك أن مليشيا الحوثي الانقلابية تعمل برعاية وتوجيهات إيرانية، سواء كانت تلك التوجيهات في سياق استمرار هذه الحالة غير المسبوقة والخوض فيها، أو التهدئة حال لزم الأمر، والبحث في سياق مشاورات عبثية ومفتوحة لا تحمل نية إيجابية.

والواقع أن أي مفاوضات مقبلة ومتماسكة في اليمن لمواجهة مليشيا الحوثي ووقف ممارساتها الإجرامية يجب أن تستند على مرجعيات ثلاث: هي المبادرة الخليجية “2011” ونتائج مؤتمر الحوار الوطني “2013-2014” وقرارات مجلس الأمن الدولي، خصوصا رقم 2216، الذي يُلزم الحوثيين بالانسحاب من المناطق الخاضعة لهم، فيما يرفض الحوثيون هذه المرجعيات، لتستمر المحاولات تدور في دائرة فراغ، كما تستمر الممارسات الإجرامية لمليشيا الحوثي في تهديد أمن المجتمع الدولي، الذي لم يُصدر بعدُ ردَّ فعلٍ مناسبًا تجاه هذه المليشيا.

العين الإخبارية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى