خلاف المناصب يُحسم مبكرًا.. السنة يرفضون المقايضات مع الكرد
حسمت القوى السُّنية المنضوية في “المجلس السياسي الوطني” الجدل الذي تصاعد خلال الأيام الماضية بشأن احتمال تبادل المناصب الدستورية العليا مع المكوّن الكردي، بعد أن راجت تسريبات تتحدث عن رغبة بعض الأطراف السنية بالحصول على منصب رئاسة الجمهورية مقابل منح الكرد كرسي رئاسة البرلمان.
إلا أن المواقف المعلنة من قيادات الصف الأول داخل البيت السني أغلقت الباب بصورة شبه نهائية أمام هذا الطموح، معتبرة أنه يصطدم بالأعراف السياسية المستقرة منذ عام 2005.
وقال القيادي في تحالف العزم، عيسى الساير، في تصريح لوكالة شفق نيوز، إن “لا تغيير في المناصب الرئاسية الثلاث، وما يُطرح خلاف ذلك مجرد أحاديث بلا أثر فعلي”، مضيفًا أن الأعراف والاتفاقات السياسية “حدّدت خريطة توزيع الرئاسات بين المكونات، ولا تغيير فيها مهما علت الأصوات”. وأكد الساير أن طرح فكرة استبدال رئاسة البرلمان (استحقاق السنة) برئاسة الجمهورية (استحقاق الكرد) “لا يتعدى كونه رغبات فردية” ولا يعكس موقفًا سياسيًا مؤسسيًا.
وهذا الموقف السني المتشدد أعاد ضبط بوصلة التوازنات، وقطع الطريق على محاولات إعادة فتح ملف توزيع المناصب السيادية تحت تأثير نتائج الانتخابات الأخيرة أو حالة السيولة السياسية التي رافقت العدّ والفرز. كما منح الكرد مؤشراً واضحاً بأن الشراكة السياسية لن تُدار هذه المرة بمنطق المقايضة، بل وفق المسار التقليدي الذي يمنحهم رئاسة الجمهورية مقابل احتفاظ الشيعة برئاسة الوزراء والسنة برئاسة البرلمان.
وتأتي أهمية هذا الحسم من كون القوى السنية أعلنت قبل أيام تأسيس المجلس السياسي الوطني، وهو إطار جامع يضم الأحزاب والتحالفات الفائزة ويهدف إلى تنسيق المواقف داخل الدورة النيابية السادسة. وبحسب الساير، فإن هذا المجلس سيكون المرجعية السنية في تحديد شاغلي المناصب الخاصة بالمكوّن وفق استحقاقه الانتخابي، مؤكدًا أن تأسيس المجلس “ليس خطوة مؤقتة” بل يفترض أن يستمر حتى بعد تشكيل الحكومة.
في المقابل، نقل مصدر في مكتب رئاسة البرلمان لوكالة شفق نيوز تأكيدا بأن رئاسة البرلمان “ستكون من حصة (تقدّم) حصراً، لكن بشخصية جديدة”، ما يعكس إدراك القوى السنية الحاجة إلى إعادة تدوير الوجوه ومنح المنصب شخصية قادرة على إدارة المرحلة المقبلة.
ووفق المصدر نفسه، فإن هناك “توجّهًا عامًا لدى القوى السياسية، واتفاقًا أوليًا على اختيار شخصيات جديدة للرئاسات الثلاث بما ينسجم مع متطلبات المرحلة الراهنة”.
غير أن التوافق السني على عدم المساس باستحقاق رئاسة البرلمان لا يلغي وجود صراعات داخلية على مستوى المحافظات، خاصة في الأنبار التي يتصدر فيها حزب ‘تقدّم’ المشهد الانتخابي، إذ كشف مصدر حكومي في الأنبار أن المحافظة تشهد “صراعًا خفيًا” حول توزيع المناصب، وأن الحزب الفائز يخطط لإعادة هيكلة الإدارة المحلية بما ينسجم مع ثقله السياسي الجديد، وهو ما سيقود إلى تغييرات واسعة خلال الأسابيع المقبلة.
وبذلك، يبدو أن البيت السني استطاع حسم النقطة الأكثر حساسية في النقاش السياسي بعد الانتخابات: لا تبادل للمناصب، ولا مساس برئاسة البرلمان. وهذا الحسم لا يقتصر على التمسك باستحقاق انتخابي فحسب، بل يعكس رغبة سنية في تثبيت موقعها داخل ثلاثية السلطة الدستورية، وتحصين موقفها التفاوضي في مرحلة تشكيل الحكومة المرتقبة، مع السعي إلى إدارة خلافاتها الداخلية بحيث لا تتحول إلى عامل إرباك إضافي في مشهد سياسي معقّد بطبيعته.
