سياسة

طائرات «F-16» متجهة إلى أوكرانيا.. هل ستغير قواعد القتال؟


عامان ونصف من السيطرة المتنازع عليها على السماء بين روسيا وأوكرانيا، فلا شتاء خفف سخونة القتال ولا صيفا أذاب ثلج الجبهات.

وبعد انتظار طويل لأوكرانيا التي ظل رئيسها فولوديمير زيلينسكي، يضغط منذ 18 شهرا على الأقل من أجل أن تكون الطائرات الغربية مكملة لقواتها الجوية السوفيتية الصغيرة والقديمة، والتي لا تضاهي القوات الجوية الروسية، هطل غيث الغرب أخيرا بطائرات F-16، ولكن السؤال: هل قوات كييف مؤهلة لهذا التحليق؟

وأمس الأربعاء، أعلنت الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، في قمتهم بواشنطن، أنها بدأت ترسل أول دفعة من الطائرات المقاتلة الأمريكية الصنع من طراز إف-16، إلى أوكرانيا.

وبحسب بيان صادر عن الحكومتين الهولندية والدنماركية أصدره البيت الأبيض في قمة الناتو، فإن أول دفعة من طائراتF-16 في طريقها إلى أوكرانيا، وأنها ستقوم بطلعات جوية هذا الصيف.

وقال ديك شوف، رئيس وزراء هولندا، وميت فريدريكسن، نظيرته الدنماركية، إن “عملية نقل طائرات F-16 إلى كييف جارية، وذلك بعد أشهر من تدريب الطيارين والمفاوضات السياسية”.

وأضاف الزعيمان أن “أوكرانيا ستحلق بطائرات F-16 هذا الصيف”، في دفعة هي الأولى من بين حوالي 85 طائرة مقاتلة تم إرسالها إلى كييف لتحسين حظوظها في ساحة المعركة.

وتُعتبر هذه الإمدادات التي طال انتظارها من طائرات F-16 هي جزء مما قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، إنها ستكون “حزمة كبيرة” من الدعم لأوكرانيا، والتي تشمل تقديم أربعة أنظمة دفاع جوي باتريوت، والتدريب الذي يقوده الناتو للقوات الأوكرانية.

والتزمت النرويج وبلجيكا أيضا بتزويد طائرات F-16 في المستقبل، لكن زيلينسكي ذهب إلى أبعد من ذلك وقال: “أتوقع أن يتم تعزيز تحالف قدرات القوات الجوية لدينا بشكل أكبر من خلال انضمام مشاركين جدد”.

وفي أغسطس/آب من العام الماضي، أعطى الرئيس الأمريكي جو بايدن، الضوء الأخضر لإرسال طائرات “إف-16” أمريكية الصنع إلى كييف رغم مخاوف سابقة بشأن المدة التي ستحتاج إليها كييف للتدريب على الطائرات.

كيف ستؤثر إف 16 على مسار القتال؟

لا يزال من غير الواضح مدى فعالية طائرات F-16، وهي طائرة مقاتلة مصممة في السبعينيات، في الحرب ضد روسيا.

وقالت روسيا هذا الشهر إنها دمرت خمس طائرات أوكرانية من طراز سو-27 في هجوم صاروخي من طراز إسكندر على قاعدة جوية في ميرهورود.

واعترفت أوكرانيا ببعض الخسائر وسط انتقادات بأن الطائرات اصطفت على المدرج في وضح النهار ضمن مدى الصواريخ الروسية.

ويقول مراقبون إن طائرات إف-16 لن تشكل وحدها نقطة تحول في الحرب التي اندلعت في فبراير/شباط 2022.

مارك كانسيان، كبير مستشاري برنامج الأمن الدولي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، يقول لصحيفة ذا إيكونوميست تايمز: “عليك أن تفصل بين الرمزية والتأثير الفعلي في ساحة المعركة، وهو ما سيكون مفيدا ولكنه متواضع، خاصة في البداية”.

أما سيرهي كوزان، رئيس مركز الأمن والتعاون الأوكراني، وهو مجموعة بحثية غير حكومية، فيؤكد أن هناك حاجة إلى 60 طائرة على الأقل للقيام بعمليات كبيرة بينما تحاول أوكرانيا إبعاد الطيران الروسي عن حدودها.

وهو ما أشارت إليه النائبة أولكساندرا أوستينوفا، التي تقود اللجنة البرلمانية في كييف المعنية بالأسلحة والذخائر، في حديثها مع الصحيفة نفسها، بأن بلادها ستحتاج إلى ما يقرب من 120 طائرة من طراز إف-16 لتعزيز قدراتها الجوية بشكل كبير.

ما بين الخبرة والتدريب

وبينما ينتظر المراقبون ظهور طائرات إف-16 في سماء أوكرانيا، فإن كيث روزنكرانز، الطيار الذي طار 30 مهمة بالطائرة خلال حرب الخليج، كان قد وجّه عبر إذاعة “أوروبا الحرة” رسالة تحذير إلى الطيارين الأوكرانيين الذين سيقودونها.

وفي مقابلة معه الشهر الماضي، قال روزنكرانز، إن الخروج في مهمة تدريبية لإسقاط قنابل على هدف وهمي أو الاشتباك مع طائرات مختلفة في سيناريو جو-جو أمر مختلف”. “إنه شيء آخر أن تفعل أيا من هذين عندما يحاول العدو قتلك”.

يقول روزنكرانز، الذي كتب كتابا عن تجاربه القتالية كطيار لطائرة إف-16، إن الطيارين الأوكرانيين، على الأقل في البداية، سيكونون في وضع غير مؤاتٍ مقارنة بنظرائهم الروس الذين يقودون مقاتلات متقدمة.

وبينما كان يتم الضغط على بلاده لتوفير طائرات F-16 لأوكرانيا، لفت روزنكرانز إلى أنه شعر بأنه سيكون من الصعب للغاية على الطيارين الأوكرانيين القيام بمهام قتالية دفاعا عن أمتهم دون عمل طويل في الطائرة”.

ولم تأت الطلعات القتالية التي قام بها الطيار الأمريكي إلا بعد أن أمضى أكثر من 1200 ساعة طيران في طائرة تدريب، ثم أكثر من عام من الخدمة غير القتالية بالطائرة من طراز F-16. ويقول إنه حتى مع هذه المهلة الطويلة، كانت مهماته القتالية الأولى “مرعبة”.

ولأن روسيا تمتلك أنظمة دفاع جوي مثل الصاروخ المضاد للطائرات S-400، سيكون لطياريها المقاتلين ذوي الخبرة ميزة على الطيارين الأوكرانيين، كما يوضح الطيار الأمريكي الذي نوّه إلى الفرق الصارخ بين المهام التدريبية والمهام القتالية الفعلية.

لا يزال الكثير أمام الطيارين الأوكرانيين

وبحسابات روزنكرانز فإن الأمر سيستغرق حوالي عام من الطيران بطائرات F-16 قبل أن يشعر الطيارون الأوكرانيون بالراحة في الطائرة.

ويضيف “حتى مع ذلك، لا أعتقد بالضرورة أنهم سيهيمنون على الجيش الروسي”.

ويشير روزنكرانز إلى أنه تم تصميم الطائرة F-16 في البداية للتفوق على الطائرات الأخرى وإسقاطها، بما في ذلك بمدفع دوار قادر على إطلاق 100 طلقة عيار 20 ملم في الثانية.

ولكن- يتابع مستدركا- مع الرادارات القوية وأنظمة الصواريخ التي تستخدمها الطائرات المقاتلة من الجيل الرابع اليوم، فمن غير المرجح أن تواجه طائرات F-16 التي يقودها الأوكرانيون أنواع المعارك المباشرة التي شوهدت في الصراعات السابقة.

ديفيد كيرن، طيار سابق يتمتع بآلاف الساعات من الخبرة في قيادة جميع الطائرات المقاتلة من الجيل الرابع التي تديرها القوات الجوية الأمريكية.

في مقابلة طالعتها في إذاعة “أوروبا الحرة”، يعتقد كيرن أن دور طائرات F-16 في أوكرانيا سيكون بمثابة نوع من “نظام المدفعية المرن للغاية وبعيد المدى”.

ويقول كيرن الذي يقوم اليوم بتدريب الطيارين على نفس نظام التحكم في الطيران “fly-by-wire” المستخدم في الطائرة F-16، إن الطائرات الأمريكية من المرجح أن تُستخدم لضرب أهداف محمولة جواً مثل الطائرات الروسية الكبيرة بدون طيار وصواريخ كروز، بالإضافة إلى الأهداف الأرضية مثل “طرق الإمداد، والتجهيزات اللوجستية، وأي تجمعات روسية عسكرية”.

وبعد وصول الدفعة الأولى من مقاتلات F-16 ووحداتها من الطيارين في الأيام أو الأسابيع المقبلة، تفيد تقارير بأن أوكرانيا تتوقع تدريب حوالي 20 طيارا وجاهزيتهم للمهام القتالية بحلول نهاية عام 2024.

وكانت الولايات المتحدة قد أعربت في السابق عن قلقها بشأن احتمال التصعيد لكنها خففت موقفها جزئيا للسماح بقصف أهداف داخل روسيا بالمدفعية بعيدة المدى.

زيلينسكي ورئيسة وزراء الدنمارك في طائرة إف 16

ميزات إف 16

يُنظر إلى إف -16، على أنها واحدة من أكثر الطائرات المقاتلة الموثوقة في العالم، ومتعددة الاستخدامات ذات الإنتاج الضخم.

تم تطويرها في الولايات المتحدة الأمريكية في السبعينيات خصيصا لبيعها للدول الشريكة باعتبارها طائرة منخفضة التكلفة متعددة الأغراض.

كما تُعد الأكثر عددا بين المقاتلات في العالم التي لا تزال في الخدمة. ولا يزال يتم إنتاج الطائرة في الولايات المتحدة ويتم إدخال تحسينات عليها باستمرار.

يمكن تسليح الطائرة بصواريخ وقنابل موجهة بدقة، وهي قادرة على الطيران بسرعة 1500 ميل في الساعة، بحسب القوات الجوية الأمريكية.

كذلك يمكنها المواجهة في جميع الظروف الجوية وحتى ليلا بدقة أكبر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى