غزة المنهكة.. عائلة تصارع البقاء بين جوع مستمر وأمل يحتضر

في كل صباح، تستيقظ عبير وفادي صُبح في خيمتهما بقطاع غزة على نفس السؤال: كيف سيجدان الطعام لأنفسهما ولأطفالهما الستة الصغار؟
أمام الزوجين اللذين التقتهما وكالة أسوشيتد برس، ثلاثة خيارات وهي:
- ربما يكون هناك مطبخ خيري مفتوح، ويمكنهما الحصول على قدر من العدس المسلوق.
- أو محاولة التزاحم بين الحشود للحصول على بعض الدقيق من شاحنة مساعدات عابرة.
- الملاذ الأخير هو التسول.
وفي حال فشلت جميع هذه المحاولات، فلن يأكلوا جميعا.
-
رهينة أمام الكاميرا: شريط جديد من غزة يعيد ملف الأسرى إلى الواجهة
-
غزة المنكوبة: الفوضى تحاصر المساعدات والجوع يفتك بالسكان
ويُمثل وضع عائلة صبح، التي تعيش في مخيم للاجئين على شاطئ البحر غرب مدينة غزة بعد نزوحها المتكرر، نفس وضع العائلات في جميع أنحاء القطاع الذي مزقته الحرب المستمرة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2025.
يقول العاملون في المجال الإنساني إن الجوع ازداد خلال الأشهر الـ22 الماضية من الحرب بسبب القيود المفروضة على المساعدات.
لكن خبراء الغذاء حذروا في وقت سابق من هذا الأسبوع من أن “أسوأ سيناريو للمجاعة هو ما يحدث حاليا في غزة”.
-
الجيش يتمرّد على القيادة السياسية.. نتنياهو محاصر بين غزة والجنرالات
-
ضغوط عالمية تجبر إسرائيل على السماح بإدخال الإغاثة لغزة
وفرضت إسرائيل حصارا كاملا على الغذاء والإمدادات الأخرى لمدة شهرين ونصف ابتداءً من مارس/أذار. وقالت إن هدفها هو زيادة الضغط على حماس لإطلاق سراح عشرات الرهائن المحتجزين لديها منذ هجوم السابع من أكتوبر.
ورغم استئناف تدفق المساعدات في مايو/أيار، إلا أن الكمية لا تُمثل سوى جزء ضئيل مما تقول منظمات الإغاثة إنه ضروري.
كما أن انهيار القانون والنظام جعل من شبه المستحيل إيصال الغذاء بأمان. ويُخزَّن جزء كبير من المساعدات التي تصل أو يُباع في الأسواق بأسعار باهظة.
وهذه هي أبرز ملامح عائلة صُبح نستعرضها كما جاءت في وكالة أسوشيتد برس.
-
الخبز في غزة.. بين الندرة والفوضى، كرامة تُسحق تحت الأقدام
-
انسحاب أمريكي وإسرائيلي يعقبه توقعات بعودة المفاوضات حول غزة
حمام صباحي بمياه البحر
تستيقظ العائلة في خيمتهم، التي يقول فادي صبح، بائع متجول يبلغ من العمر ٣٠ عاما، إنها شديدة الحرارة في الصيف.
مع صعوبة الحصول على المياه العذبة، تجلب زوجته عبير، ٢٩ عاما، الماء من البحر.
واحدا تلو الآخر، يقف الأطفال في حوض معدني ويفركون أنفسهم بينما تسكب أمهم الماء المالح على رؤوسهم. تبكي هالة، ذات التسعة أشهر، بحرقة في عينيها. أما الأطفال الآخرون، فهم أكثر ثباتا.
ثم تقلّب عبير الفراش وتكنس الغبار والرمال من أرضية الخيمة. وعندما لم يتبقَّ لها طعام من اليوم السابق، تخرج لتتوسل للحصول على شيء لإفطار عائلتها. أحيانا، يُعطيها الجيران أو المارة العدس. وأحيانا لا تحصل على شيء.
تعطي عبير هالة الماء من زجاجة أطفال. وعندما يحالفها الحظ، تجد لديها عدسا تطحنه حتى يصبح مسحوقا لتخلطه بالماء.
قالت: “يبدو اليوم كأنه مئة يوم، بسبب حر الصيف والجوع والمعاناة”.
-
التهدئة في غزة على المحك.. حماس ترد على المواقف الأمريكية
-
مباحثات مكثفة.. غزة على أعتاب هدنة جديدة خلال أيام
رحلة إلى مطبخ الحساء
يتوجه فادي إلى مطبخ الحساء القريب. أحيانا يرافقه أحد الأطفال “لكن الطعام نادرا ما يتوفر هناك”.
ويفتح المطبخ أبوابه مرة واحدة تقريبا في الأسبوع، ولا يكفي أبدا للحشود.
ووفق فادي، فأنه في أغلب الأحيان ينتظر طوال اليوم، ثم يعود إلى عائلته دون أي شيء “وينام الأطفال جائعين دون طعام”.
كان فادي يذهب إلى منطقة في شمال غزة حيث تصل شاحنات المساعدات من إسرائيل. هناك، تتجمع حشود هائلة من المواطنين اليائسين على الشاحنات وينهبون حمولتها من الطعام.
-
المجاعة في غزة تهز الداخل الإسرائيلي بصورها الصادمة
-
أرقام مرعبة وشهادات مفجعة.. أهوال غزة في زمن الحصار والمجاعة
وكثيرا ما تطلق القوات الإسرائيلية القريبة النار، وفقا لشهود عيان. وتقول إسرائيل إنها تطلق طلقات تحذيرية فقط، وغالبا ما يحمل آخرون في الحشد سكاكين أو مسدسات لسرقة الصناديق.
أصيب فادي برصاصة في ساقه الشهر الماضي. وقد أضعفه ذلك كثيرا لدرجة أنه لم يعد قادرا على الركض خلف الشاحنات، لذا لم يبقَ له سوى محاولة الوصول إلى المطابخ.
في هذه الأثناء، تخرج عبير وأطفالها الثلاثة الأكبر سنا – يوسف البالغ من العمر 10 أعوام، ومحمد البالغ من العمر 9 أعوام، وملاك البالغة من العمر 7 أعوام – حاملين عبوات بلاستيكية لملئها من شاحنة تجلب المياه العذبة من محطة تحلية المياه في وسط غزة.
يكافح الأطفال مع ثقل عبوات المياه، حيث يحمل يوسف إحداها على ظهره، بينما يجر محمد عبوته نصف جرة، حانيا جسده الصغير جانبا في محاولة لإبعادها عن غبار الشارع.
-
آخر شريان يختنق.. دير البلح تواجه عزلة قاتلة في غزة
-
30 قتيلاً في انتظار الرغيف.. غزة تنزف على أبواب المساعدات
تدافع للحصول على المساعدة
تتوجه عبير أحيانا إلى مركز توزيع المساعدات في زيكيم شمالي مدينة غزة، بمفردها أو مع يوسف. وأحيانا تتمكن من الحصول على الطعام، وفي كثير من الأحيان تعود خالية الوفاض.
وإذا لم تنجح، فإنها تلجأ إلى حس الإحسان لدى من نجحوا. تقول لهم: “لقد نجوتم من الموت بفضل الله، أرجوكم أعطوني أي شيء”. يستجيب الكثيرون لتوسلاتها، وتحصل على كيس دقيق صغير لتخبزه للأطفال، على حد قولها.
أصبحت هي وابنها وجهين مألوفين. ويقول يوسف أبو صالح، أحد الرجال الذين ينتظرون الشاحنات بانتظام، إنه كثيرا ما يرى عبير تكافح للحصول على الطعام، فيعطيها بعضا من طعامه. مضيفا “إنهم فقراء وزوجها مريض. كلنا جائعون وكلنا بحاجة إلى الطعام”.
خلال أشد أوقات النهار حرارة، يبقى الأطفال الستة في الخيمة أو حولها. يفضٌل الأب والأم أن يناموا خلال الحر – فهذا يمنعهم من الجري واستنزاف طاقتهم والشعور بالجوع والعطش.
البحث عن الطعام والتسول بعد الظهر
مع انحسار الحر، يخرج الأطفال. أحيانا ترسلهم عبير ليتسولوا الطعام من جيرانهم. وبخلاف ذلك، يجوبون شوارع غزة المدمرة، باحثين بين الأنقاض والقمامة عن أي شيء يُشعل موقد العائلة الفارغ.
أصبحوا بارعين في تمييز ما قد يحترق، مثل قصاصات الورق، الخشب، الزجاجات والأكياس البلاستيكية، حذاء قديم، أو أي شيء يفي بالغرض.
عثر أحد الأولاد ذات يوم على قدر في سلة المهملات – وهو ما تستخدمه عبير الآن للطهي.
وكانت العائلة قد نزحت مرات عديدة، ولم يتبقَّ لديهم سوى القليل من المتعلقات. تقول عبير: “يجب أن أتدبر أمري. ماذا عساي أن أفعل؟ نحن ثمانية أشخاص”.
-
مفاوضات غزة.. تل أبيب تتسلم رداً محسّناً من حماس
-
الدول الداعمة لإسرائيل تغيّر نبرتها: كفى حربًا في غزة
يخنة عدس على العشاء إذا حالفهم الحظ
بعد يوم من البحث عن أساسيات الحياة – الطعام والماء ووقود الطهي – أحيانا ما يكون لدى الأسرة ما يكفي من هذه الثلاثة لتتمكن عبير من إعداد وجبة. عادة ما تكون حساء عدس خفيفا.
لكن في كثير من الأحيان لا يوجد شيء، وينامون جميعا جائعين.
أصبحت عبير ضعيفة، وكثيرا ما تشعر بالدوار عندما تبحث عن الطعام أو الماء “أنا متعبة. لم أعد قادرة على ذلك. إذا استمرت الحرب، أفكر في الانتحار. لم أعد أملك أي قوة أو حيلة”.
-
غزة تحت القصف والجوع.. 57 قتيلاً أثناء انتظار المساعدات
-
مفاوضات غزة تتعثر.. ماذا وراء تأخر التوصل إلى اتفاق؟