اخترنا لكم

في الحاجة لتفكيك “الرسالة المقدسة”


انشغلت العديد من الجهات العلمية والبحثية المهمة في احتضان بذور الفلسفة الدينية، سعياً منها للوصول لثمار أكثر قرباً من الينع، في الموضوعات والزوايا الحرجة التي تتضمنها.

 من بين هذه الجهات: جامعة نوتردام في “إنديانا” بالولايات المُتحدة الأمريكية، وجامعة “يل”. وفي بريطانيا جامعة أكسفورد، وكلية كينجز لندن، اللتان تحظيان بديمومة طرح “كرسي أكاديمي” يختص بدراسة فلسفة الدِّين. فهل سيُتَبَعُ في دراستها إلزامية “الخطوط الحمراء” التي لا يجوز تجاوزها؟ وكيف يمكن تحديد نطاق قائم بأساسه على إطلاق العنان، وكيف يمكن تأطير أهم الموضوعات في سياقها؟

فلسفة الدين تقدم خطاباً عقلانياً باحثاً في مضمار ماهية الدين، سيما أنه يعبر عن اهتمام بالغ للوصول لسدة الإدراك المتعلق بطبيعة الدين من حيث إيجاد آخر نقاط امتداده على تضاريس ملامح الحياة المتنوعة، بل إنه يتعدى ذلك وصولاً لإلماحات “الميتافيزيقيا”، ومن ذلك يحاول “القلم الفلسفي” رسم خطوط عريضة تجيب الإنسان عن تساؤلاته حول امتداد الدين “بين الدنيا والآخرة”، ومصدر الدين، طارحةً قضايا الوجود الإلهي، وأفعاله المتصرفة في الأرض، وبراهين ذلك، وصفات الخالق، ودلالات الألوهية في الأديان على اختلافها، بالإضافة لطبيعة علاقة الإنسان بالله، مشيرةً إلى تقاطعاته أو انسجاماته مع طبيعة الحياة البشرية، وثوابت الدين ومتغيراته. 

ويعد الاتجاه الفلسفي الديني المنصب على وظيفته في تفسير التساؤلات المحيطة بـ”الإله”، إحدى أبرز القضايا التي لم تأبه بفحوى الدين ذاته، بقدر ما ركزت على ما يسمى بـ”اللاهوت الفلسفي”، سيما أن وجود الإله، يعد مركزياً في الديانات الغربية، فركزت باهتمام بالغ على السمات الإلهية التي شكلت مصدراً خصباً لتوالد الاستفهامات والألغاز النقاشية وهي التي تلخصت في سمات الإله: “كلي العلم، وكلي القدرة، والخير، والخلود”. 

وفي حين أن الفهم ينبني على وضوح الدلالات، فإن فلسفة الدين تتناول ألفاظه، وتتحسس استخداماته اللغوية، حتى لا يضيع المعنى والدلالة، فاللغة الدينية هي مادة غنية بتفاصيل تحتاج إلى تفكيك، وصولاً لقيمتها المعرفية الخام، الدافعة بالقدرة والكفاءة التحليلية المفرقة بين ما يلفظه الدين من مجاز، أو حقيقة، سيما أنها اللغة المتفردة بالتعبير عن “الهم الأقصى كونه غير متناهٍ وخارج عالم الوقائع”، كما وصفه الفيلسوف بول تيليتش. وقد حاز هذا الجانب اهتمام الفيلسوف ويليام ألستون، الذي أفرد بلغة الدين العديد من المقالات المركزية والتي تعد مرجعاً في هذا الجانب، كالمتناثرة في مؤلفه “الطبيعة الإلهية واللُّغة البشرية”. ومن ذلك يتسنى الوصول لاستقراءات مكثفة عن “التجربة الدينية” بحد ذاتها، ومدى حضورها في عملية التفاعل “الإنساديني”، على الامتداد التاريخي هائل التحول، ثابت الرسالة، وهي القضية التي نقب عن جزئياتها الفلاسفة من خلال النظر في ثنائية “المرونة والثبات” الديني، وتقلبات الممارسات والأفكار والاستنباطات، فالتجربة الدينية في قاموس الفلسفة، توضح ألفبائيات هذه التجربة، وتجري وراء مصادرها، وترسم أبرز أنماطها، وتفسيراتها، وصولاً لوضعها على كفتي ميزان “التبعية أم الانقياد المطلق”. 

التجربة الدينية باعتبارها أحد موضوعات فلسفة الدين، لا يمكن تقييد عنقها في وشاح متوحد اللون، سيما أن “حركة النهوض البشري”، من شأنها أن توجد مستجدات “ولّادة” وفقاً لتغير الزمان والمكان والظروف والأحوال، ويكفي في برهان ذلك النظر في “شواخص الدين”، التي يذكرها “ريبر آلستون”، في مقالته “الدين”، والتي تحمل معها الاعتقاد بوجودات ما وراء الطبيعة “الآلهة”، والتفكيك بين الأشياء المقدسة وغير المقدسة، والأعمال والمناسك التي تستند إلى الأمور المقدسة.

كما يذكر آلستون الحضور القوي لـ”شواخص الدين”، المتمثلة بالارتباط الاجتماعي المتصل والمتوارث بحبل”غير منقطع”، ووجود الاكتمال في نظام الحياة الفردية التي اتكأت على مخزون رؤيته للكون، النابعة من تشخيص قيمته وتموقعه في سياقه. 

نقلا عن الاتحاد الإماراتية 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى