الشرق الأوسط

قلق في القاهرة من محاولات إسرائيل فرض واقع أمني جديد على الحدود


ألقى وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس بشرارة توتر جديدة على العلاقات مع مصر، التي تمر بمرحلة مفصلية، عبر توجيهه بتحويل المنطقة المتاخمة للحدود المشتركة إلى “منطقة عسكرية مغلقة”، مستنداً إلى تقارير عبرية تؤكد تهريب أسلحة بواسطة طائرات مسيّرة.

وأفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي يوم الخميس بأن كاتس أصدر تعليماته بعسكرة المنطقة الحدودية وتصنيف خطر تهريب الأسلحة على أنه “تهديد إرهابي”.

وتأتي هذه الخطوة في ظل ادعاءات متكررة من قبل الحكومة الإسرائيلية، على مدى الأشهر الأخيرة، بإحباط محاولات تهريب دون تقديم أدلة واضحة حول مصدر الأسلحة أو الجهة المتلقية لها، وهي اتهامات نفتها القاهرة ووصفتها بأنها “أكاذيب”.

لا صدام وشيك

وأكد 5 خبراء في الشؤون العسكرية والأمنية لوكالة الأناضول أن القرار الإسرائيلي سيظل في دائرة “الترقب المصري الحذر”، مع استبعاد الوصول إلى مرحلة الصدام المباشر. ويعود ذلك إلى كون القاهرة تركز حالياً على أولويات قصوى مرتبطة بترتيبات اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

ويرى سمير راغب، رئيس المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الاستراتيجية، أن القرار هو “أمر داخلي”، لكنه مشروط بمراعاة البنود الأمنية لاتفاقية السلام لعام 1979، وإلا عُد مخالفة.

بدوره، أكد اللواء سمير فرج، خبير عسكري واستراتيجي، أن مصر ستراقب الخطوة، وهي تدرك أبعادها جيداً، وتشدد على أن لديها حدوداً “مؤمنة وآمنة تماماً”، وأنها قادرة على حماية أمنها القومي دون الوصول إلى صدام.

ويذهب طارق فهمي، المتخصص بالشؤون الفلسطينية والإسرائيلية، إلى القول إن القاهرة لن ترد على الإجراءات علناً، مفضلة البعد عن أي مناوشات أو جدل يبعدها عن أولوياتها المتمثلة في تنفيذ الترتيبات الأمنية لاتفاق وقف إطلاق النار.

خمسة أبعاد استراتيجية وراء عسكرة الحدود

وتتفق آراء الخبراء الخمسة على أن الخطوة الإسرائيلية الجديدة تهدف إلى الضغط على القاهرة وإلزامها بوقائع جديدة قبل البدء في الترتيبات الأمنية لليوم التالي في غزة، بالإضافة إلى مواجهة مزايدات اليمين المتطرف، لا سيما بشأن قوة مصر ومواقفها الداعمة لغزة.

ويرى اللواء فرج أن القرار قد يكون بمثابة دعاية انتخابية مبكرة ومحاولة لإشغال الرأي العام الإسرائيلي عن فشل أهداف الحرب في غزة، وخلق “تهديد وجودي” في وعي الشعب لحشد الرأي الداخلي.

وقال العميد راغب إن “القرار محاولة من تل أبيب لترسيخ وجود تهديد وجودي لها في وعي شعبها، لحشد الرأي الداخلي”، في تكرار لما فعلته سابقاً مع المقاومة وكررتها في الأشهر الماضية عبر إعلامها من أن مصر لديها جيش كبير وتتطور عسكرياً وتخوفات من نشر قواتها في سيناء وما شابه من أكاذيب بشأن التهريب، وخاصة أن كل هذه مزاعم يكذبها من يعرف الحدود جيداً وخريطتها وأماكن الانتشار”.

ويعتقد اللواء فرج أن قرار كاتس “دعاية انتخابية” مع ذهاب إسرائيل إلى انتخابات قد تكون مبكرة، ومحاولة لإشغال الرأي العام الإسرائيلي بعد فشله في غزة وعدم تحقيقه أي مهام، لا تحرير الأسرى بالقوة ولا القضاء على حماس، فضلاً عن تبرير جديد لاستمرار التعبئة الداخلية.

ويفسّر الأكاديمي فهمي قرار كاتس بثلاثة دوافع رئيسية، أولها “استمرار هيمنة العقلية الأمنية على صُنّاع القرار في إسرائيل”، إذ ما تزال فكرة إقامة مناطق آمنة أو عازلة جزءاً من التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي تجاه الجوار.

أما الدافع الثاني، بحسب فهمي، “فيتمثل في الخلافات داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بشأن التعامل مع قوة مصر الإقليمية”، مشيراً إلى أن النقاش داخل إسرائيل لم يعد يدور بشأن مجرد إغلاقات حدودية، بل عن إمكانية إقامة جدران عازلة مع مصر والأردن.

كما اعتبر أن كاتس، الذي يوصف بأنه “ضعيف سياسياً”، يحاول أن يواجه من يزايد عليه بأهمية مواجهة قوة القاهرة ومواقفها الداعمة لغزة ورفض التهجير للفلسطينيين بصورة أكبر بهذا القرار ليحدث نوعاً من التوازن داخل مراكز القوى من صُنّاع القرار.

والدافع الثالث، وفق فهمي، هو محاولة إسرائيل أن تكرس بهذا القرار الانفرادي وضع التقسيم في غزة والسيطرة على مناطق عديدة تحسباً لمهام تشكل القوات الدولية المرتقبة في غزة بعد أسبوعين أو ثلاثة، وبالتالي تُفرغ القرار من مضمونه وتفرض أمراً واقعاً بشكل مسبق، وخاصة أن المعروف أن تلك المنطقة المحتملة لا مبرر لها في ظل أن مركز التنسيق الأميركي الحالي المرتبط باتفاق غزة سيراقب الحدود بطبيعة الحال.

أما سهيل دياب، فيرى أن قرار كاتس “تعزيز لفرض واقع بإبقاء احتلال إسرائيل لمحور فيلادلفيا على الحدود مع مصر واحتلال الجانب الفلسطيني من معبر رفح قبل أي ترتيبات أمنية ستحدث بشأن اليوم التالي”.

ويعتبر نزال أن “القرار محاولة ضغط على القاهرة وسط التوتر الحالي واستمرار أزمة قطاع غزة، وتأهب عسكري يرضي اليمين العسكري المتطرف داخل الجيش الإسرائيلي الذي يركز في الآونة الأخيرة على قدرات الجيش المصري وانتشاره في سيناء وقفزة في الهواء على اتفاقية كامب ديفيد”، وسط توقع منه أن يرفع مستوى التوتر، واستبعاده أن تكون تلك الخطوة مرتبطة بالانتخابات أو بروباغندا إسرائيلية.

وتوترت العلاقات المصرية الإسرائيلية منذ اندلاع حرب غزة، لا سيما مع رفض مصر احتلال إسرائيل لمحور فيلادلفيا والجانب الفلسطيني من معبر رفح الحدوديين في 2024، ومع تلويح إسرائيلي مستمر بتعطيل اتفاقية للغاز مع مصر، وانتقادات من تل أبيب للقاهرة بشأن رفض تهجير الفلسطينيين إليها أو السماح بذلك، في أكبر توترات عميقة منذ اتفاقية السلام الموقعة في 1979.

زر الذهاب إلى الأعلى