بعد مرور مئة يوم على ميلاد حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية، خيّم الإحباط على الشارع الليبي.
بعد ضعف الأداء والتسويف والتجاهل الذي وصف به رئيس الحكومة في التعاطي مع الشرق الليبي، خاصة بتجاهل زيارته لكامل التراب الليبي وجزء كبير ومهم كبرقة، ما تسبب في تذمر واضح لدى الشارع الليبي المحب للوحدة الوطنية.
فالليبيون اليوم في أغلبهم محتارون في وصف الحكومة التي تحمل اسم «الوحدة الوطنية»، بينما أفعالها توصف بأنها حكومة مغالبة وامتداد ومناصرة لطرف على آخر، فالحكومة تجاهلت التواصل مع قيادة الجيش الليبي طيلة المئة يوم الأولى باستثناء الزيارة اليتيمة التي قام بها رئيس المجلس الرئاسي للشرق ومقابلة قيادة الجيش، الزيارة التي وصفها البعض بزيارة الحرج المجتمعي دون أن يكون لها أي أثر.
كان يجب على حكومة «الوحدة الوطنية» أن تكون امتداداً لحكومتين كانتا تتقاسمان الشرعية والسلطة على الأرض وهي الحكومة المؤقتة في الشرق وحكومة «الوفاق الوطني» في الغرب، فاتفاق جنيف وتفاهمات تونس ولجنة الحوار التي أنتجت حكومة «الوحدة الوطنية» نصت على تقاسم السلطة وميراث الحكومتين المتنازعتين على السلطة في البلاد، ولكن تصرفات رئيس الحكومة وتصريحاته وصفت بالمستفزة، خاصة قوله في اجتماع مع مجموعات متطرفة هاربة من الشرق الليبي: «مدينة بنغازي ستعود لحضن الوطن»، وإن كان تراجع عن التصريح لاحقاً بالقول إنه أخطأ التعبير وإن الوطن هو الذي سيعود لبنغازي.
ينبغي للكلام والتصريحات ألا تكون ارتجالية، بل يجب أن تكون محسوبة بدقة متناهية، تجنباً للحساسيات، ودرءاً للفتنة.
الشارع الليبي كان متفائلاً خيراً بتشكيل حكومة «وحدة وطنية»، ولكن التعاطي الأحادي والمتحيز من الحكومة لأحد طرفي الصراع سابقاً، والتجاهل التام للطرف الآخر، تسبب في حالة من النفور من الحكومة والحذر المشوب بالصدمة.
ليبيا بعد سنوات الحرب والقتال والتهجير والنزوح في حاجة حقيقية لمصالحة وطنية شاملة هي من أولويات مهام حكومة «الوحدة الوطنية»، ولم تنجز فيها أي تقدم ولو قيد أنملة، فحكومة «الوحدة الوطنية» من مهامها أيضاً عودة المهجرين والنازحين من الطرفين، الملف الذي لم تنجز حكومة «الوحدة الوطنية» أي خطوة فيه، ناهيك عن سيطرة الميليشيات وملف المرتزقة والقوات الأجنبية، الملف الذي لم تتقدم الحكومة فيه أي خطوة باستثناء تصريحات وزيرة الخارجية الشجاعة المطالبة بخروج المرتزقة والقوات الأجنبية، الأمر الذي تسبب لها في تهديد طال سلامتها الشخصية من قبل عملاء المرتزقة والقوات الأجنبية.
توحيد المؤسسات وعلى رأسها الجيش الليبي، الملف الذي فشلت حكومة «الوحدة الوطنية» حتى في التواصل فيه مع قيادة الجيش الليبي في بنغازي، وكأنه مؤسسة خارج أجندة الحكومة حتى في بند الميزانية العامة للدولة، الأمر الذي دفع البرلمان الليبي لإعادة مقترح الميزانية العامة لعدم إقرار بند ميزانية الجيش الليبي فيها، الأمر الذي يؤكد أن ما أطلق عليه حكومة «الوحدة الوطنية» مسمى يجب إعادة النظر فيه.
مغالطة الحكومة بالتعاطي كحكومة مغالبة وحكومة «المتغلب المنتصر» في حين الواقع العسكري ليس كذلك، تجعل الأمر أكثر تعقيداً في المشهدين السياسي والعسكري الليبيين مع استمرار خطاب الكراهية والفتنة والكذب والتضليل، ما يؤكد أن ثمة أطرافاً خارجية بعملاء محليين لا تريد الخير لليبيين، وتسعى إلى ديمومة الصراع وعودة المدافع والبنادق للبارود.
الليبيون سئموا من الحرب والقتال والانقسام، ولا يعنيهم مسميات الحكومة من دون أن تترجم هذه التسميات على أرض الواقع.
إذا اندلع صراع جديد، وإذا استمر الأمر على ما هو عليه، فإنَّ الخاسر الأوحد هو ليبيا والليبيون البسطاء، فالحل يكمن في نبذ عقلية المغالبة وتحقيق مصالحة وطنية تلم الشمل ولو كانت بجبر الضرر وتحقيق العدالة الانتقالية لتهدئة النفوس.
نقلا عن الشرق الأوسط