في ليبيا ثمة جدلية ومراوغة جديدة أضافتها جماعة «الإخوان» وأتباعها من جماعات الإسلام السياسي.
وذلك للفصل بين خروج المرتزقة والقوات الأجنبية، في محاولة منها لحماية وشرعنة المرتزقة السوريين الذين جلبتهم القوات التركية، تحت غطاء «قوات أجنبية شرعية»، وهذا ما وصف بـ«مراوغة» من رئيس مجلس الدولة، الذي أصرَّ على التفرقة بين القوات التركية وغيرها من القوات الأجنبية، متحججاً بالاتفاقية التي وقعتها «حكومة الوفاق» من دون اعتماد البرلمان، كما ينص «اتفاق الصخيرات»، مما جعل الاتفاقية – قانوناً – هي والعدم سواء.
لقد استغلت تركيا حالة اللادولة في ليبيا، فجلبت هذه القوات مقابل مرتبات شهرية تصل إلى 2000 دولار، ومقابل الوعد بالجنسية التركية؛ لأن أغلب من جلبتهم تركيا هم من التركمان السوريين، حيث استغلت حالة الفقر التي يعانون منها في مخيمات النزوح.
الضغط الدولي مستمر، ولكن بنبرات متفاوتة بين الشد والتراخي، رغم أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، وخلال اتصال مع رئيس الحكومة الجديدة، أكد «ضرورة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، وإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية»، بينما السفير الأميركي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، قال إن «الأداة الأكثر فاعلية لتحقيق رحيل المرتزقة الأجانب، هي حكومة ليبية منتخبة ديمقراطياً تتمتع بالسلطات الكاملة».
المراوغة في ملف إخراج المرتزقة فضحها الهجوم غير المسبوق لأنصار جماعة «الإخوان» والإسلام السياسي وانطلاق الذباب الإلكتروني للتهجم على وزيرة الخارجية الليبية، لمجرد أنها أكدت عزم الحكومة على إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية كافة؛ الأمر الذي لم يَرُق لأتباع تركيا ومواليها في ليبيا.
ولكن تبقى الحقيقة أن إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية ليس رهن إرادة ليبية مطلقة؛ بل إن إخراجهم مرتبط بحجم التفاهمات الدولية، خصوصاً روسيا وتركيا؛ الدولتين اللتين تتنازعان وتتبادلان النفوذ في المنطقة، وتستخدمان الملف الليبي ورقة ابتزاز وضغط بينهما، وفي كثير من المرات كان الملف الليبي ورقة ابتزاز روسية – تركية في ملفات من سوريا وحتى ناغورنو كاراباخ.
يوجد داخل ليبيا العديد من المرتزقة من الاتجاهات كافة، فوفق تقارير دولية قام العديد من الدول والشركات الأمنية والفاعلين من دون الدول بتوظيف العديد من المرتزقة للقتال في ليبيا، وينتمي بعضهم لحركات مثل «لواء المعتصم» و«فرقة السلطان مراد» و«الفيلق الشامي» و«لواء صقور الشمال» و«فيلق الشام» و«فرقة الحمزات» و«لواء سليمان شاه» و«السمرقند»… وقوات أخرى تابعة لشركات، مثل «شركة السادات التركية»، ومارس أغلبهم عمليات قتالية وإجرامية ونهب وسرقة، بل كان بعضهم يجاهر بالخروج في مقاطع فيديو على شبكات التواصل، حيث قال أحدهم: «(الجيش السوري الحر) موجود في ليبيا للدفاع عن الإسلام»، بينما يجهل هذا الغمر أن ليبيا دولة سكانها بنسبة مائة في المائة مسلمون.
إخراج المرتزقة فقط ليس هو الحل المثالي للأزمة الليبية، بل إن نزع سلاح الميليشيات المحلية وتفكيكها هو صلب حل الأزمة الليبية، فـ«الميليشيا» كلمة دخيلة في الأصل على المعجم العربي الليبي، لكن الجماعات الإرهابية أدخلتها إلى ليبيا لاستخدامها في فرض إرادتها، وللتأثير على القرار السياسي، مما يجعلها تشكل تهديداً مباشراً للحرية وتحقيق الديمقراطية.
يبقى أن أي تشكيل مسلح خارج عن شرعية الدولة، يعدّ ميليشيا تهدد السلم الاجتماعي، فالحل الحقيقي هو حل هذه الميليشيات وإعادة توزيع أفرادها بشكل فردي حتى لا تُكرر تجربة «الدروع» التي كانت محاولة فاشلة لشرعنة ميليشيات فئوية تتبع الإسلام السياسي على أنها كتائب نظامية وليست أفراداً تحت سلطة وزارة الدفاع، سرعان ما انكشف زيفها في أول حالة اصطفاف فئوي وحزبي، لتثبت أنها مجرد ميليشيات حزبية في ثوب عسكري.
نقلا عن الشرق الأوسط