مأساة الزلزال تصحح المسار السياسي السوري العربي
بعد الزلزال الذي ضرب سوريا قبل أسبوعين خطوات تقارب سوري عربي شهدتها الفترة القليلة الماضية، تسارعت وتيرتها.
تجسدت تلك الخطوات في زيارات متبادلة غير مسبوقة منذ سنوات، ومباحثات هاتفية بين الرئيس السوري بشار الأسد وقادة دول عربية هي الأولى من نوعها.
توجت تلك الخطوات بزيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى سلطنة عمان، مساء الإثنين، في زيارة هي الأولى من نوعها للسلطنة منذ 12 عاما، والثانية لدولة عربية بعد زيارته الإمارات مارس الماضي، في زيارة هي الأولى له لدولة عربية منذ اندلاع الأزمة في بلاده عام 2011.
جاءت زيارة الأسد لسلطنة عمان بعد أيام من تلقيه أول اتصالات هاتفية منذ اندلاع الأزمة السورية من كل من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والعاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة، من بين اتصالات عدة تلقاها من قادة دول عربية .
كما تأتي تلك الزيارة بعد 5 أيام من استقباله أيمن الصفدي، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني منتصف فبراير/ شباط الجاري، في أول زيارة لرأس الدبلوماسية الأردنية إلى سوريا منذ 2011، والتي وصلها بعد 3 أيام من زيارة الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي لسوريا في زيارة تعد الأولى من نوعها لمسؤول عربي ودولي رفيع للمناطق المتضررة من زلزال سوريا.
يأتي هذا فيما قرر الرئيس التونسي قيس سعيد، قبل 10 أيام، رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي التونسي في دمشق.
أيضا قبل يومين، قال وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، السبت، إن “إجماعا بدأ يتشكل في العالم العربي على أنه لا جدوى من عزل سوريا، وأن الحوار مع دمشق مطلوب في وقت ما”.
مواقف عربية متتالية تدعم عودة سوريا لحاضتها العربية، تسارعت وتيرتها بدوافع إنسانية بعد الزلزال الذي ضرب البلاد قبل أسبوعين، تثبت جميعها صواب الرؤية الإماراتية التي كانت سباقة في اتخاذ خطوات دبلوماسية وسياسية وإنسانية لدعم عودة سوريا لحاضنتها العربية، توجتها باستقبال الرئيس السوري بشار الأسد مارس/ آذار الماضي، في أول زيارة لدولة عربية منذ 11 عاما، وعززتها باتخاذ مواقف إنسانية ريادية بعد الزلزال الذي ضرب سوريا.
أسهم الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا في 6 فبراير/ شباط الجاري في تسريع خطوات التقارب العربي السوري، حيث عززت الدول التي كانت تربطها علاقات بسوريا تلك العلاقات بخطوات وإجراءات جديدة، فيما بدأت الدول المقاطعة للنظام السوري منذ بدء الأزمة بخطوات تقارب في إطار الدبلوماسية الإنسانية.
وعلّق وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ نهاية نوفمبر/تشرين ثاني 2011 عضوية سوريا في الجامعة العربية، عقب اندلاع أزمتها، وهي خطوة أعقبها مقاطعة النظام السوري من قبل دول عربية، قبل أن يعيد بعضها علاقاته معه، فيما حرص عدد من الدول على إبقاء علاقات مع النظام السوري ترواحت بين قوية ومحدودة.
سلطنة عمان.. أول زيارة
ضمن أحدث خطوات التقارب السوري العربي، أجرى الرئيس السوري بشّار الأسد زيارة عمل إلى سلطنة عمان، الإثنين، أجرى خلالها مباحثات مع سُّلطان عمان هيثم بن طارق، في أول لقاء يجمعهما منذ تولي سُّلطان عمان مقاليد الحكم قبل 3 سنوات.
وجدّد السُّلطان هيثم بن طارق في مستهلّ الجلسة تعازيه ومواساته الصادقة للرئيس السُّوري في ضحايا الزلزال المدمّر الذي ضرب بلاده وجمهورية تركيا، مؤكدًا على مواصلة سلطنة عُمان دعم أشقائها لتجاوز تداعيات هذه الكارثة الطبيعية.
واستعرض الجانبان مسيرة العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين ومجالات التعاون المشترك، بالإضافة إلى تبادل وجهات النظر بشأن مُجمل التطورات على الساحتين الإقليمية والدولية والجهود الرامية لتوطيد دعائم الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.
تأتي زيارة الرئيس السوري بعد نحو 3 شهور من زيارة بدر بن حمد بن حمود البوسعيدي وزير الخارجية العماني لدمشق ولقائه الرئيس السوري 16 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ضمن زيارات متبادلة بين مسؤلي البلدين، قبل أن تتوج بتلك الزيارة الأولى من نوعها للرئيس السوري.
وتتفق دولة الإمارات وسلطنة عمان على أهمية حل الأزمة السورية سلميا، كما يؤمن البلدان بأهمية وجود علاقات متبادلة مع سوريا في إطار إيمانهما بأهمية عودة سوريا لحاضنتها العربية.
الأردن.. أول زيارة دمشق
تأتي زيارة الرئيس السوري لسلطنة عمان بعد نحو 5 أيام زيارة أيمن الصفدي، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني إلى دمشق 15 فبراير/ شباط الجاري، في أول زيارة لرأس الدبلوماسية الأردنية إلى سوريا منذ 2011.
ونقل الصفدي للرئيس الأسد تحيات وتعازي الملك عبد الله الثاني، وأكد أن المملكة الأردنية قيادة وشعباً تتضامن مع الشعب السوري لما ألمّ به جراء الزلزال، وستستمر بتقديم كل ما يمكن لمساعدة سوريا والشعب السوري لتجاوز هذه المحنة.
من جانبه أعرب الرئيس الأسد عن تقدير سوريا للموقف الرسمي والشعبي للأردن الشقيق، وأشار إلى أن الشعب السوري يرحب ويتفاعل مع أي موقف إيجابي تجاهه، وخاصة من الأشقاء العرب.
كان الأردن من بين الدول العربية التي قاطعت سوريا عام 2011 ضمن قرار الجامعة العربية إثر اجتماع طارئ بالقاهرة وكان وقتها للضغط على دمشق لقبول بحلول تسوية مع المعارضة التي خرجت في احتجاجات مسلحة.
لكن التواصل بين الأردن وسوريا عاد في السنوات الأخيرة على عدة مستويات، حيث أجرى الرئيس السوري بشار الأسد اتصالا هاتفيا بالعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بن الحسين عام 2021، كما عقدت اجتماعات بين وزيري خارجية سوريا والأردن، وفتحت الحدود بين البلدين، فضلا عن عودة التبادل الاقتصادي.
وفي أعقاب الزلزال الأخير تلقى الأسد اتصالاً هاتفياً من الملك عبد الله الثاني، قدم فيه التعازي في ضحايا الزلزال معبرا عن تضامنه مع سوريا في محنتها، بحسب ما أعلنت الرئاسة السورية.
قادة مصر والبحرين.. أول اتصال
أيضا في إطار خطوات التقارب العربي السوري البارزة، أجرى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في 7 فبراير / شباط الجاري، اتصالا هاتفيا بنظيره السوري بشار الأسد، مؤكدا تضامن القاهرة مع دمشق بعد الزلزال.
كان هذا الاتصال هو الأول من نوعه بين السيسي والأسد منذ وصول الأول للرئاسة في مصر عام 2014.
جاء الاتصال ، غداة إجراء عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة اتصالا بالأسد هول الأول منذ 2011، أعرب خلاله عن تضامن مملكة البحرين حكومة وشعباً مع الجمهورية العربية السورية، واستعدادها لتقديم المساعدة ومؤازرة جهود الحكومة السورية من أجل تجاوز آثار هذه الكارثة.
وأجرى العديد من القادة العرب اتصالات مماثلة بالرئيس السوري من بينهم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون والرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد والرئيس الفلسطيني محمود عباس والرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني.
يأتي هذا فيما قرر الرئيس التونسي قيس سعيد، في 9 فبراير الجاري، رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي التونسي في دمشق.
وحسب بيان للرئاسة التونسية جدد الرئيس قيس سعيد التأكيد على “وقوف الشعب التونسي إلى جانب الشعب السوري الشقيق”.
وأشار البيان إلى “عديد المحطات التاريخية التي عاشتها سوريا منذ بداية القرن العشرين والترتيبات التي حصلت منذ ذلك الوقت لتقسيمها”.
السعودية .. تصريحات هامة
وفي تصريحات هامة، تنبئ عن تطورات إيجابية في الموقف السعودي، قال وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، السبت، إن “إجماعا بدأ يتشكل في العالم العربي على أنه لا جدوى من عزل سوريا، وأن الحوار مع دمشق مطلوب في وقت ما”.
وقال الأمير فيصل بن فرحان آل سعود في منتدى ميونخ للأمن: “سترون أن إجماعا يتزايد، ليس فقط بين دول مجلس التعاون الخليجي بل في العالم العربي، على أن الوضع الراهن غير قابل للاستمرار”.
وأضاف أنه “في ظل غياب سبيل لتحقيق الأهداف القصوى من أجل حل سياسي، فإنه بدأ يتشكل نهج آخر” لمعالجة مسألة اللاجئين السوريين في دول الجوار، ومعاناة المدنيين، خاصة بعد الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا”.
وتابع: “لذلك، ينبغي أن يمر ذلك عبر حوار مع حكومة دمشق في وقت ما، بما يسمح على الأقل بتحقيق الأهداف الأكثر أهمية، خاصة فيما يتعلق بالزاوية الإنسانية وعودة اللاجئين وما إلى ذلك”.
الإمارات.. ريادة إنسانية وسياسية
مواقف عربية متتالية ، تثبت جميعها صواب الرؤية الإماراتية التي كانت سباقة في اتخاذ خطوات دبلوماسية وسياسية وإنسانية لدعم عودة سوريا لحاضنتها العربية.
وهز زلزال بلغت قوته 7.8 درجة على مقياس ريختر، تركيا وسوريا الإثنين 6 فبراير / شباط الجاري، فأسقط آلاف المباني بما في ذلك العديد من المجمعات السكنية ودمر مستشفيات وجعل عشرات الآلاف بين مشرد ومصاب، وأسفر في حصيلة غير نهائية عن مقتل أكثر من 46 ألف شخص في البلدين.
وانطلقت الجهود الإماراتية الإنسانية فور وقوع الزلزال، حيث بدأت الجهود باتصالات تعازٍ ومواساة ودعم على مستوى القيادة، ثم مساعدات عاجلة لإغاثة المحتاجين والمتضررين من تلك الكارثة، قبل أن تتبلور إلى عملية إغاثية شاملة متكاملة تحت اسم “الفارس الشهم 2″، تم خلالها إطلاق جسر جوي إنساني، وما زال العمل متواصلا.
وضمن تلك الجهود، أجرى الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي زيارة لسوريا 12 فبراير الجاري لتفقد المناطق المتضررة وبحث التداعيات الإنسانية للزلزال.
واستقبل الرئيس السوري بشار الأسد، الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي في دمشق لبحث التداعيات الإنسانية جراء الزلزال المدمر الذي ضرب مناطق من شمال غربي سوريا.
زيارة تعد الأولى من نوعها لمسؤول عربي ودولي رفيع للمناطق المتضررة من زلزال سوريا.
تترجم تلك الزيارة تصريحات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات بأنها لن تترك سوريا وحدها في أي ظرف يواجهها، وأنّ دولة الإمارات ستكون دائماً عوناً وسنداً لها، ولكل الأشقاء والأصدقاء والأخوة في الإنسانية للتصدي لأي ظروف أو كوارث تواجههم.
تصريحات مهمة ترجمتها دولة الإمارات على أرض الواقع قولا وفعلا مرارا وتكرارا، وهو ما ظهر جليا خلال أزمة الزلزال.
وكان الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، أول زعيم عربي يجري اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد لتقديم التعازي والمواساة والتعبير عن التضامن فور وقوع الزلزال.
الدعم الإماراتي المتواصل لسوريا على مختلف الأصعدة، سبق أن توجته أبوظبي باستقبال الرئيس السوري بشار الأسد مارس/ آذار الماضي، في أول زيارة لدولة عربية منذ 11 عاما.
استقبال يدعم عودة سوريا لحاضنتها العربية، بما يسهم في حل أزمة تجاوزت العقد من الزمان، وتسببت في تداعيات إنسانية وخيمة على الشعب السوري، وطالت الأمة العربية بأسرها.
وقام الرئيس السوري بزيارة لدولة الإمارات، 18 مارس/آذار، أجرى خلالها مباحثات منفصلة مع كل من الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي.
وتؤمن دولة الإمارات بالحل السياسي كمخرج وحيد للأزمة السورية، ومرارا أكدت ذلك في كل المؤتمرات الدولية والمباحثات الثنائية.
وفي أكثر من محفل دولي، أكدت دولة الإمارات أن الحل السياسي هو الوحيد لإنهاء الأزمة السورية، وشددت على أهمية إيجاد دور عربي فاعل في جهود الحل السياسي ومساعدة سوريا في العودة إلى محيطها العربي.
وكانت دولة الإمارات ترجمت هذا التوجه بالفعل على أرض الواقع عبر أكثر من محطة، بدأتها دبلوماسيا بإعادة افتتاح سفارتها في دمشق ديسمبر/كانون الأول 2018، وتواصل هذا التوجه على الصعيد الإنساني بدعم سوريا للتخفيف من آثار الزلزال.