ماذا تحمل مخططات حزب الله لمستقبله في لبنان؟
في خطاب ألقاه الأسبوع الماضي في ذكرى حرب 2006 بين حزب الله وإسرائيل، ترك الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله.
القناع ينزلق قليلاً عن نواياه على الصعيد الوطني، ففي هذه الفترة، أظهر بشكل غير مباشر أن حزب الله يدخل في طريق مسدود بشأن مستقبله، على الرغم من قوته العسكرية الكبيرة.
في مناقشة ترسيم الحدود اللبنانية الإسرائيلية، أعلن نصرالله أنه لن يشارك مثل هذه العملية، وبدلاً من ذلك أعلن أن هناك “12 أو 13 نقطة [حدودية]” استمر الخلاف حولها بين الجانبين، وكانت إسرائيل لا تزال منتشرة في هذه المناطق وكان عليها الانسحاب منها. لكن حزب الله اعتقد أن هذه “مسؤولية دولية”، لذلك لم يقم الحزب بعمليات عسكرية لإخراج الإسرائيليين من هذه الأماكن.
رسائل ضمنية
وبحسب صحيفة “ذا ناشونال” الدولية، فقد كانت ثمة رسالتان ضمنيتان في تعليقات نصر الله حول ترسيم الحدود، أولاً، كان رفض المشاركة في ترسيم الحدود يهدف، من حيث المبدأ، إلى التأكيد على أن الحزب لن يمنح إسرائيل أي اعتراف قانوني بالأرض، وأوضح أنه على عكس الحدود البحرية “تم ترسيم” الحدود البرية بين عامي 1920 و 1923، وهذه الحدود “كانت واضحة ولبنان يعرف حدوده”.
والرسالة الثانية هي أن حزب الله يسعى ضمنيًا للحفاظ على الغموض في ترسيم الحدود ليتمكن من القول إن إسرائيل تواصل احتلال الأراضي اللبنانية، وأكد نصر الله أن هذا بدوره يسمح للحزب بتبرير استمرار ترسانته من الأسلحة، والتي “لن يسمح حزب الله لأي شخص بمهاجمتها”.
وأوضحت الصحيفة أنه بعبارة أخر ى، وضع نصر الله فعليًا سلسلة من الشروط التي جعلت من المستحيل على أي شخص الدخول في مفاوضات مع الحزب لتسليم أسلحته ووضع حد لما يسميه حزب الله “المقاومة”.
وتابعت أن هذا لم يكن مفاجئًا، حيث أمضى الحزب أكثر من عقدين، منذ الانسحاب الإسرائيلي في مايو 2000، ليجد أسبابًا لإدامة الشذوذ المتمثل في احتفاظ جهة فاعلة مسلحة من غير الدول بأسلحتها لضمان صعودها في دولة ضعيفة.
سيناريوهات كارثية
بينما أكدت صحيفة “نيويوركر” الأميركية، أن خطاب حسن نصر الله، كشف الطائفية الكبرى التي يعمل بها الحزب لإبقاء سيطرته المطلقة على لبنان، ما قد يؤدي إلى سيناريوهات كارثية لمستقبل بلد على حافة الإفلاس المالي والانهيار السياسي والمؤسسي، حيث من المرجح أن تؤدي جميع الخيارات التي تركها نصر الله إلى توترات أكبر داخل لبنان ومشاكل محتملة للحزب.
وتابعت أنه إذا كان هدف حزب الله هو ببساطة ترسيخ الوضع الراهن، كما يبدو، وعدم السماح بأي تغيير قد يهدد سلطته، فكل ما يفعله حقًا هو الحفاظ على تماسك نظام مختل إلى حد كبير، وحتى فاشل.
وأضافت أن هذا المخطط سيؤدي إلى تفاقم الاستياء في البلاد، لأن حزب الله يخشى بشدة من كل جهود الإصلاح التي قد تؤدي إلى تحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي للبنانيين، معتبراً ذلك خطوات قد تضعف النخبة السياسية التي يعتمد عليها حزب الله في الحفاظ على النظام الداخلي، والأسوأ من ذلك، أن هذا الاستياء سيأخذ صبغة طائفية بشكل متزايد.
وأوضحت أنه على سبيل المثال، يعارض العديد من المسيحيين علنًا العقد الاجتماعي الحالي المحطم، ويدعون إلى مزيد من الفصل بين الطوائف الدينية اللبنانية، سواء من خلال النماذج الفيدرالية أو حتى التقسيم، يذهب المنطق إلى أنه إذا كان حزب الله الشيعي يريد الدولة، فعندئذ يريد المسيحيون تقييد علاقاتهم بهذه الدولة.
وإدراكًا لهذا الوضع ، قد يقرر حزب الله تقديم تنازلات انتقائية، لامتصاص السخط الطائفي، مع الاحتفاظ بالسيطرة على مرتفعات الدولة، سيكون الأمر يتعلق بتغيير كل شيء بحيث يظل كل شيء على حاله، على سبيل الاقتباس من رواية ليوبارد لجوزيبي دي لامبيدوزا.
وأكدت الصحيفة الأميركية، أنه من غير المرجح أن يحدث هذا، لأن حتى محاولات التغيير التجميلي يمكن أن تؤدي إلى ديناميكيات قد تقلل من قوة حزب الله، وبحسب ما ورد تعتبر القيادة الإيرانية، من خلال زعيمها الأعلى آية الله علي خامنئي، محاولات ميخائيل جورباتشوف في البيريسترويكا والجلاسنوست في الاتحاد السوفيتي قصة تحذيرية.
ويعتقدون أن جورباتشوف، في محاولته إصلاح النظام للحفاظ على السلطة الشيوعية، سارع فقط في سقوطها.
وتابعت أن الخيار الثالث، وهو إعادة صياغة النظام الدستوري اللبناني بشكل جذري بطريقة ترسيخ هيمنة حزب الله، يمثل إشكالية بنفس القدر، خاصة في بيئة طائفية حيث تشعر الطوائف الأخرى بالتهديد من المكاسب الشيعية.
وأصر نصر الله في خطابه على أن الأحزاب السياسية الشيعية لا تسعى لتغيير الدستور لتعزيز حصة المجتمع في السلطة، لكنه أضاف بشكل أوضح أن حزب الله مستعد لتطوير أو تغيير النظام إذا أراد لبنانيون آخرون ذلك.
وتابعت أنه في الوقت الحالي، يبدو أن نصر الله يركز على الحفاظ على الوضع الراهن، حيث يمكنه فعل ذلك لأنه يواجه مجتمعًا مسيحيًا منقسمًا ومجتمعًا سنيًا بلا قيادة إلى حد كبير، والحقيقة أن «حزب الله» يتخذ خطوات للمصالحة مع «التيار الوطني الحر المسيحي» حليفه السابق الذي اختلف معه حول دعم «حزب الله» لسليمان فرنجية كمرشح للرئاسة، ويأمل حزب الله أن يؤدي هذا مرة أخرى إلى انقسام المسيحيين، الذين اتحدوا بشكل مفاجئ في رفض السيد فرنجية.
وأضافت أن المسلمين السنة أكبر جالية في لبنان يشكلون التحدي الرئيسي طويل الأمد لحزب الله، ففي حين أنه من غير المحتمل أن يحدث شيء على المدى القصير، فإن عدم رغبة حزب الله، بل وعدم قدرته، على تغيير أي شيء وتحقيق الاستقرار في تفوقه في إطار طائفي متقلب يمثل مخاطرة.