ماكرون يعين شخصيات معادية للمغرب في حكومته.. التفاصيل
يشير تعيين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للأمين العام لحزبه ستيفان سيجورنيه وزيرا للخارجية خلفا لكاترين كولونا وهو أحدث تعيين في الحكومة الفرنسية الجديدة بعد رئيس الوزراء الشاب غابريال أتال، إلى اختيار شخصيات معروفة بعدائها للمغرب، ما يطرح تساؤلات حول طبيعة هذه الاختيارات ومدى تأثيرها على العلاقات الفرنسية المغربية التي كانت تتلمس طريقها لإنهاء أزمة صامتة بين البلدين.
وسيجورنيه رئيس مجموعة “رينيو” والنائب بالبرلمان الأوروبي قاد حملة في المؤسسة التشريعية الأوروبية ضد المغرب انتهت باستصدار قرارين غير ملزمين أحدهما تناول بالسوء والتضليل مزاعم عن انتهاكات جسيمة لحرية الصحافة في المملكة استنادا لادعاءات روجت لها منظمات غير حكومية من بينها هيومن رايتس ووتش التي أقحمت نفسها في قضية الصحافي عمر الراضي المحكوم في قضايا تخابر واعتداءات جنسية وروجت لقضيته على أنها انتهاك لحرية التعبير.
ووزير الخارجية الفرنسي الجديد من المقربين من ماكرون وجزء من الأغلبية الداعمة له وسبق أن عمل مستشارا له نهاية عام 2020 إلى أكتوبر/تشرين الثاني 2021، كما كان مسؤول عن جمع التبرعات لحملته في الانتخابات الرئاسية سنة 2017.
وتعيين ستيفان سيجورنيه على رأس الدبلوماسية الفرنسية قد يحدث شروخا في علاقات فرنسا مع عدد من الدول من بينها المغرب وقد يعيد العلاقات مع المملكة على وجه الدقة، إلى مربع التوترات بعد أن لاحت في الأفق بوادر انفراج في الأزمة الصامتة بين باريس والرباط على خلفية أزمة التأشيرات وكذلك مواقف رسمية معادية لمصالح المملكة.
وكان الوزير “الماكروني” الجديد أيضا المحرك الرئيس للحملة التي استهدفت الرباط داخل البرلمان الأوروبي، بخصوص مزاعم التجسس عبر برنامج “بيغاسوس” الاسرائيلي، وهو من بين أسباب الفراغ الدبلوماسي لفترة طويلة في سفارة المغرب في باريس، كعنوان على أزمة غير مسبوقة بين البلدين.
وتوترت العلاقات بين الطرفين على خلفية قرار باريس تخفيض عدد التأشيرات الممنوحة للمغاربة وموقفها من ملف الصحراء، ورهان الرئيس الفرنسي على الجزائر، وتوصية البرلمان الأوروبي بخصوص وضع حرية الصحافة في المغرب، إضافة إلى قضية التجسس باستعمال برنامج “بيغاسوس” الإسرائيلي، التي ترى الرباط أن تورط وسائل الإعلام وبعض الدوائر الفرنسية في نشأتها والترويج لها لا يمكن أن يحصل دون تدخل السلطات الفرنسية.
وخلفت المواقف الفرنسية توترا طيلة أشهر كان من أبرزها رفض السلطات المغربية للمساعدات الفرنسية الموجهة لضحايا زلزال الثامن من سبتمبر/أيلول الماضي، ما أثار حفيظة الإعلام الفرنسي الذي شن حملات ضد المغرب ومؤسساته. وعكس حجم الأزمة “الصامتة” التي تلقي بظلالها على علاقات الرباط وباريس منذ أكثر من سنتين، وكان من أبرز مظاهرها تجميد زيارات مسؤولي البلدين، وغياب أي اتصال بين العاهل المغربي والرئيس الفرنسي، وحدوث فراغ دبلوماسي.
وبعد محاولات فرنسية لرأب الصدع وإظهار بوادر حسن نية تجاه الرباط، شهدت العلاقة بين البلدين بوادر تحسن وقد عيّن العاهل المغربي الملك محمد السادس، الصحافية ومديرة الأخبار بالقناة الثانية المغربية سابقا سميرة سيطايل، سفيرا لدى الجمهورية الفرنسية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي وذلك بعد أشهر على شغور المنصب إثر إنهاء الرباط مهام السفير محمد بنشعبون في 17 يناير/ كانون الثاني الماضي، وهو نفس يوم تصويت البرلمان الأوروبي على قرار بخصوص حرية الصحافة، اُعتبر معادياً للمغرب بمبادرة ودعم من نواب من حزب ماكرون.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني من سنة 2023، وخلال مشاركته في برنامج إذاعي عبر “راديو 2M، أعلن السفير الفرنسي بالرباط، كريستوف لوكورتيي أن بلاده رفعت جميع القيود التي سبق أن فرضتها على إصدار التأشيرات لصالح المواطنين المغربة لطي هذا الملف بشكل نهائي، لكنه أبدى أسفه على هذا القرار الذي قال إنه كان “خسارة” لبلاده باعتراف الرئيس إيمانويل ماكرون، وأضر كثيرا بصورتها، وأوضح أن علاقة وطيدة مثل تلك التي تجمع بين باريس والرباط لا تتم إدارتها عبر الإحصائيات فقط.
وتطرح هذه التطورات تساؤلات عن دلالة هذه التعيينات بعد خطوات فرنسية للتهدئة وإنهاء الأزمة مع المغرب، إذ تعتبر الأسماء الجديدة (بدءا من رئيس الحكومة الشاب المثير للجدل غابرييل أتال إلى وزير خارجيته الذي كان على علاقة معه بعقد مدني)، تذهب عكس مسار طي صفحة الخلاف. فلماذا يختار ماكرون شخصيات معادية للمغرب بينما سعى لإنهاء التوتر.
وتتعلق قضية التعيينات بجانبين داخلي وخارجي، وإذا كان المسار الخارجي الذي يتعلق بالعلاقات للمغرب ما يزال غامضا وغير ومفهوم، فإنه يمكن للجانب الداخلي تفسير هذه الرؤية إذ يقول متابعون أن ماكرون يحاول تحصين نفسه داخليا بينما لا تتمتع حكومته بغالبية مطلقة.
وتبرز هنا وجهة نظر متداولة بشدة خصوصا لدى المعارضة بأن هذه الخطوة لن تؤدي بالضرورة إلى أي تحول سياسي كبير، لكنها تشير إلى رغبة ماكرون في محاولة تجاوز إصلاحات التقاعد والهجرة التي لم تحظ بشعبية العام الماضي وتحسين فرص حزبه الوسطي في انتخابات الاتحاد الأوروبي في يونيو.
ويرى هؤلاء أن مصلحة فرنسا اليوم تقضي تغيير مواقف سيجورنيه السابقة المعادية للمغرب في ظل العلاقات الحالية بين البلدين. وعليه اتباع نهج جديد تجاه المغرب. لتوجيه دفة العلاقات الخارجية نحو التقارب مع الرباط. بعد نكسات وانحسار نفوذ فرنسا في منطقة الساحل مقابل صعود المغرب كقوة وازنة وكشريك موثوق استطاع اختراق العمق الافريقي بدبلوماسية سياسية .واقتصادية هادئة بناء على شراكات استراتيجية تخدم مصالح افريقيا والمملكة المغربية.
ربما يكون رئيس الوزراء الجديد قد استفاد من الدرس السابق .ومحاولات بلاده الحثيثة لتحسين العلاقات مع المغرب نظرا لأهميته وموقعه الاستراتيجي في المنطقة. لاسيما أنه يعتبر أول شريك تجاري لفرنسا في أفريقيا. ويقوم بتأمين منفذ إلى أفريقيا جنوب الصحراء حيث يمارس بصورة ناشطة “القوة الناعمة” اقتصاديا منذ 2010.
ويقول محللون أن الشخصيات السياسية في الحكومة الجديدة عليها. العمل على المضي قدما لتحسين العلاقات الثنائية بين بلاده والمغرب. مع الأخذ بالاعتبار أن فرنسا تعيش بشكل عام علاقات متشنجة مع عدد من مستعمراتها السابقة في إفريقيا. وهي بأمس الحاجة إلى علاقة وطيدة مستقرة مع المغرب.