محمد بن زايد وصناعة التاريخ
ما الذي يدفعنا للربط بين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، وبين صناعة التاريخ؟
هل لأن بلاده تمتلك رابع أغنى صندوق ثروة في العالم، ونحو 6% من الاحتياطيات المؤكدة من النفط الخام؟ أم لأنه الرجل الذي صقل صورة الإمارات المعاصرة، وجعل منها ساحة لليبرالية اجتماعية عقلانية غير منفلتة، تقوم على العدل والكفاية معا، وفي منطقة تعج بالقلاقل والاضطرابات صباح مساء كل يوم؟
المؤكد أن ما تقدم بالفعل حقائق مؤكدة، غير أن صناعة التاريخ ترتبط بالأشخاص القابضين على جمر أحداث الحياة وأنوائها، وبخاصة في حالة الأزمنة السائلة جيواستراتيجيا.
في مصاف قادة المنطقة التاريخيين، يمكن الإشارة من غير مبالغة أو تهويل لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بوصفه الرجل الذي أسهم في استنقاذ الشرق الأوسط من بين براثن الظلاميين، ولا يزال يفتح يوما تلو الآخر مساقات للنور ومسارات للتنوير، من خلال تسخير ثروة بلاده المادية لرفعة شأن الإنسان الإماراتي، ولمد جسور الحوار والتلاقي مع بقية أرجاء المعمورة.
يدخل محمد بن زايد آل نهيان دائرة صناع التاريخ من باب رحْب بعدما آمن بأن عصر الأيديولوجيات الاستلابية قد انتهى، ولم يعد المستقبل للأيديولوجيا، بمعنى ضيق وتزمُّت الفكر، وإنما للإبستمولوجيا، حيث المعرفة قوة، والتعددية ثراء، والانفتاح على الآخر غِنى لا يُصد ولا يُرد، وليذهب “سارتر” ما شاء له أن يذهب هو ورؤيته عن الآخر الذي يراه جحيما.
صنع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان التاريخ، في بعض من مشاهده، حين قُدّر للإمارات العربية المتحدة أن تستقبل أول بابا روماني كاثوليكي في تاريخ شبه الجزيرة العربية، ومعه شيخ الجامع الأزهر، قِبلة العالم السُّني، ليكتب تاريخا من الأخوة الإنسانية بحروف من نور.
غيّر الشيخ محمد بن زايد آل نهيان واقع العالم المتحارب والمتناحر عبر عصور غابرة، صانعا واقعا معاصرا من التلاقي الإنساني والوجداني، ومُعبّدا الطريق لمسيرة إنسانية تمسح الألم وترسم الأمل على شفاه المُهانين والمعذّبين في عالمنا المعاصر.
يُنظر إلى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، كصانع من صُنّاع التاريخ، من حيث رؤيته الراقية والرائقة سياسيا، حيث أسهم في جعل بلاده واحة من الحكم الرشيد، هناك حيث تغيب المراهقات الثورية، وتنعدم الأفكار السلبية التي تفرّق ولا تجمع، تجرح ولا تشرح، كما عمل جاهدا على بث روح الوحدة، التي أرساها الأب المؤسس “زايد الخير”، وربما لهذا دُهش العالم من مشهد تسلُّم السلطة بهذه السرعة وتلك السلاسة، ولغة الجسد لا تكذب، فهناك القلوب تنطق والعيون تتحدث قبل الألسنة.
فتح التاريخ أبوابه للشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وسيُفتح أكثر في قادم الأيام، انطلاقا من قدرته البنّاءة على إحداث ثورة على القيود الشكلانية الماضوية القروسطية، عربيا وعالميا، والقفز إلى آفاق المستقبل بجناحين لا يتعارضان ولا يتضادان، التراث والمعاصرة، جذور الحضارة العربية والإسلامية من جانب، والتثاقف مع الحواضن الغربية، الأوربية والأمريكية، الآسيوية الصينية الهندية، ولهذا لم يكن عجيبا أو غريبا أن نرى أبوظبي وقد تحوّلت لمَحجَّة أممية في أيام تقبُّل العزاء في الراحل الكبير الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، طيّب الله ثراه، حيث حلّ قادة الشرق والغرب معا، ناعين الفقيد الكبير، ومتطلعين لمستقبل إماراتي قائم وقادم، قادر على تغيير مستقبل منطقة بات فيها الموت عادة، فيما يسعى الرجل لأن يجعل من الحياة عبادة.
دخل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان التاريخ من خلال دالة بلاده على إفشاء السلام حول العالم، لا سيما في البقاء والأصقاع الملتهبة والمتحاربة، ويداه قدمت الكثير في ملفات خُيّل للكثيرين أنها ستظل مشتعلة لزمن بعيد، كما الحال مع إثيوبيا وإريتريا، عطفا على مالي والصومال، ما جعل من الإمارات أيقونة للدولة الساعية في طريق سلام الأمم والشعوب.
والثابت أن بوابة صناعة التاريخ قد عرفت محمد بن زايد آل نهيان قائدا فارسا مغوارا، يقدّر لرِجْله قبل الخطو موضعها، قادر على أن يصدح بقوة وعزيمة في مواجهة أصوات البهتان، ويسارع إلى دعم الملهوف، وإسداء المعروف، من عند الأفراد وصولا إلى الدول، ما تجلى وبقوة في موقفه من البحرين غداة محاولات البعض التلاعب بمقدرات الشعب البحريني وأمن واستقرار المملكة البحرينية ذاتها، فكان التشاور السريع مع الشقيقة المملكة العربية السعودية، ومن ثمّ تحرك قوات “درع الجزيرة” لترد وتصد غوائل مؤامرات البعض، حتى وإن علت أصوات دولية على الضد من ذلك.
سوف يكتب التاريخ أن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان عمل ولا يزال في طريق تعضيد الوحدة العربية، وتعزيز التفاهم العربي-العربي، وبخاصة في ظل أوضاع كونية متردية، ومنزلقات لا يعلم إلا الله إلى أين ستقود البشرية في قادم أيامها.
لا يدخل التاريخ أحد من أبوابه، إلا إذا كان لديه القدرة على أن يُنطقه ويمنطقه بكلماته، وعلى من يود الاقتراب من فكر الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أن يراجع بعضًا من كلماته في مناسبات شتى.
يُقال في كتب التاريخ إن الرئاسة فرْضُ قانون، لكن الزعامة حرية اختيار يفرضه المثال والتجربة، وقد كانت تجربة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان طريقه لزعامة شعبوية ونخبوية مؤكدة، كما أن الزعامة أيضا لا تتحقق بادعاء طرف لنفسه، وإنما تتحقق بالقبول الطوعي له من أطراف أخرى.
مشهد الوفود العالمية، التي تتقاطر على الإمارات معزية ومهنئة، وصفوف الإماراتيين والخليجيين وبقية الأشقاء العرب في الداخل الإماراتي الأيام القليلة الفائتة تقطع بأن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان زعيم بأكثر منه رئيس، وقائد بدرجة إنسان.