اخترنا لكم

ملاحظات على استراتيجية الإمارات الصناعية الموحدة

مجدي صبحي


أطلقت الإمارات استراتيجية التنمية الصناعية الموحدة “مشروع 300 مليار” يوم الإثنين الماضي.

وتعد الاستراتيجية حدثا مهما في تاريخ الإمارات الاقتصادي بالأهداف التي تدعو إليها وبالوسائل التي تستند إليها في تحقيق هذه الأهداف. ولدينا عدة ملاحظات سريعة على الاستراتيجية.

الملاحظة الأولى هي الطموح الشديد الذي ميز الاستراتيجية، إذ تهدف إلى تعزيز مساهمة القطاع الصناعي للدولة في الناتج المحلي الإجمالي، ليرتفع الناتج الصناعي من 133 مليار درهم في العام الماضي إلى 300 مليار درهم بحلول العام 2031. أي أن الاستراتيجية تحدد معدل نمو سنوي يبلغ نحو 8.5% على مدى الأعوام العشرة المقبلة، وهو هدف طموح وهو ممكن وواقعي في ضوء توفر الشروط الموضوعية من تمويل وبنية أساسية على أحدث مستوى عالمي وتوفير الأيدي العاملة والتكنولوجيا الملائمة. ونشير هنا إلى أن بلدا مثل الصين وغيرها من اقتصادات آسيا الناشئة كانت تحقق معدلات نمو صناعي تتجاوز 10% على مدى عدد كبير نسبيا من السنوات.

الملاحظة الثانية هي وضوح أهم أهداف الاستراتيجية وعدم تناقضها الداخلي، فمن بين أهم الأهداف التي تسعى الاستراتيجية لتحقيقها:

● تهيئة بيئة الأعمال المناسبة والجاذبة للمستثمرين المحليين والدوليين في القطاع الصناعي.

● دعم نمو الصناعات الوطنية وتعزيز تنافسيتها.

● تحفيز الابتكار وتبني التكنولوجيا المتقدمة في الأنظمة والحلول الصناعية.

● دعم تعزيز مكانة الدولة كوجهة عالمية لريادة صناعات المستقبل.

● دعم تأسيس شركات صغيرة ومتوسطة.

● تعزيز موقع الإمارات في مؤشر تنافسية الأداء الصناعي.

الملاحظة الثالثة هي انطلاق الاستراتيجية من دراسة جيدة للإمكانيات المتوافرة والتخطيط بناء عليها. فالاستراتيجية يبدو من الواضح أنها تركز على القطاعات كثيفة رأس المال كثيفة التكنولوجيا، لكي تنطلق الإمارات في مسار أحدث الصناعات والتكنولوجيات العالمية، ما دام أنه لا يكبلها مطالب بإنشاء صناعات كثيفة العمالة لاستيعاب أعداد كبيرة من الأيدي العاملة. فقد أوضحت وزيرة الدولة للتكنولوجيا المتقدمة سارة بنت يوسف الأميري أن الاستراتيجية ستعمل على رفع إنتاجية وتنافسية القطاعات الحيوية ذات الأولوية عن طريق دعم تبني تكنولوجيات الثورة الصناعية الرابعة مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والطباعة ثلاثية الأبعاد والروبوتات وتحليلات البيانات الضخمة والحوسبة الرقمية وغيرها من تكنولوجيات الجيل الرابع من الصناعة. وذكرت أن الاستراتيجية المتكاملة ستعمل على تأهيل كوادر وطنية بالمهارات التخصصية والعلوم المتقدمة، مما يمنح الصناعة الوطنية ميزة تنافسية وقيمة مضافة، ويعزز إمكانات خلق فرص وظيفية واستثمارية عالية القيمة، ويرفع من عوائد الصادرات الناتجة عن الصناعات القائمة على حلول التكنولوجيا المتقدمة.

كما يتضح هذا الأمر من خلال تركيز الاستراتيجية الصناعية في المرحلة المقبلة على تطوير القطاعات الصناعية التالية: الصناعات الفضائية، والصناعات التكنولوجية المتقدمة، والصناعات الطبية والدوائية، والصناعات المتعلقة بالطاقة النظيفة والمتجددة (إنتاج الهيدروجين)، والآلات والمعدات، والمعادن، والمواد الكيميائية، ومنتجات المطاط واللدائن، والأجهزة الإلكترونية والكهربائية، والمنتجات الغذائية والمشروبات. ويلاحظ أن أغلب هذه القطاعات -فيما عدا بعض القطاعات القليلة وتلك التي تستند إلى تغطية الاستهلاك المحلي- هي من القطاعات التي تتصف بكثافة رأسمالية وتكنولوجية عالية.

أضف إلى هذا سعي الاستراتيجية إلى زيادة الإنفاق على البحث العلمي والتطوير، حيث تهدف الاستراتيجية إلى زيادة الإنفاق على البحث والتطوير في القطاع الصناعي من 21 مليار درهم حالياً إلى 57 مليار درهم في العام 2031، وهو ما يعادل 2% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة تقترب من أعلى نسب الإنفاق العالمية على البحث والتطوير. ويصب هذا بالطبع في خانة عدم الاعتماد فقط على التكنولوجيا الخارجية وإنما إتاحة الفرصة أمام العنصر الوطني في الإبداع والابتكار والإضافة إلى ما هو متوافر من تكنولوجيات.

الملاحظة الرابعة هي أن الاستراتيجية لم تشغل نفسها بالعديد من الثنائيات التي حفل بها تاريخ وضع الاستراتيجيات الصناعية في العالم، كثنائية التصنيع للإحلال محل الواردات أم التصنيع للتصدير. إذ وضعت الاستراتيجية تنافسية الصناعة في المحل الأول، حيث أشار وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الدكتور سلطان بن أحمد الجابر إلى “أن توجيهات القيادة في دولة الإمارات كانت باستمرار التركيز على ضمان تنافسيتنا وتميزنا، وبقاء الإمارات في المراكز الأولى عالمياً فيما تستعد للمستقبل وللخمسين سنة المقبلة. وقام فريق العمل في وزارة الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة بإجراء دراسة واسعة والتواصل مع مختلف الجهات المعنية بالقطاع لوضع هذه الاستراتيجية الجديدة التي تهدف إلى المساهمة في إرساء دعائم اقتصاد وطني مستدام ومتنوع يعتمد على المعرفة والابتكار والتكنولوجيا المتقدمة وتطبيقات الثورة الصناعية الرابعة، إضافة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في الصناعات الحيوية، وبناء القدرات في الصناعات المستقبلية”.

وأوضح أن الاستراتيجية الجديدة تشمل العمل على تطبيق برنامج القيمة الوطنية المضافة على مستوى الدولة، للمساهمة في إعادة توجيه المصروفات إلى الاقتصاد المحلي، وخلق المزيد من الفرص أمام الشركات الإماراتية، كما سيتم العمل على تطوير منظومة المواصفات والمقاييس لدعم المنتجات الوطنية محلياً وكذلك تصديرها إلى مختلف أنحاء العالم.

كما أشار إلى أن الاستراتيجية تسعى إلى تمكين الاقتصاد، وتعزيز تنافسية الدولة، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في عدد من الصناعات الرئيسية، ضمن مستهدف عشري، يسعى إلى مضاعفة مساهمة القطاع الصناعي، ورفع مستوى الإنتاجية الصناعية، كماً ونوعاً، بحيث تصبح دولة الإمارات في مصاف الدول العالمية التي يحتل القطاع الصناعي فيها حصة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي.

وتتبنى الاستراتيجية “برنامج القيمة الوطنية المضافة”، الذي يهدف إلى زيادة القيمة المحلية المضافة من السلع والخدمات الصناعية، وزيادة الطلب على المنتجات المحلية، والترويج للاستثمار في البحث والتطوير وتحفيز تبني التكنولوجيات المتقدمة في مختلف مراحل سلسلة القيمة المضافة، إلى جانب الارتقاء بجودة المنتج الصناعي الوطني، وتعزيز منظومة الصادرات المحلية، بموازاة تخفيض الاعتماد على الواردات، علاوة على زيادة مساهمة المؤسسات الصناعية الصغيرة والمتوسطة في الاقتصاد الوطني.

ونلاحظ من كل ما سبق أن الاستراتيجية بقدر ما تستهدف تعزيز الصادرات فهي في الوقت ذاته تسعى إلى تخفيض الاعتماد على الواردات. والواقع أن الاستراتيجية بذلك تتخطى قضية التصنيع للتصدير أم التصنيع للإحلال محل الواردات، ومربط الفرس هو التنافسية في الداخل والخارج، فالصناعات التي لديها قدرات تنافسية يمكنها أن تنطلق نحو التصدير على الفور، أما تلك التي تفتقر لهذا فيمكن أن يتم التمكين لها أولا في السوق المحلي كإحلال للواردات بتوفير بعض الحماية لها قبل أن تنطلق في مرحلة تالية مع اكتساب الخبرة والتنافسية للتحول نحو التصدير، وهو ما يشير أغلب الاقتصاديين إلى أنه يشكل جوهر تجربة بعض البلدان الصناعية الجديدة مثل كوريا الجنوبية وتايوان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى