من البيوت المهدّمة إلى المقابر.. مأساة نزوح جديدة في غزة

في غزة دمرت الحرب حتى ذلك الخيط الرفيع الفاصل بين الحياة والموت وبات الناجون يستنجدون بالمقابر بحثا عن محطة لرحلتهم الطويلة مع النزوح.
فهناك في القطاع المدمر، وتحديدا في مدينة خان يونس بأقصى الجنوب، لا يتفاجأ أحد برؤية أطفال وهم يلهون بالرمل بين القبور، ولا بفتى حافي القدمي يسرع الخطى بدلو من الماء نحو خيمة في ذلك المكان الذي استوت فيه الحياة مع الموت.
وهذه المشاهد المروعة واقع يومي يعيشه بعض النازحين الفلسطينيين الذين قاموا لعدم قدرتهم على إيجاد مأوى في مكان آخر، بنصب خيام في مقبرة بالمدينة.
بين الصحراء والمقابر
تقول النازحة رندى مصلح “أقمنا هنا لأننا كنا مجبرين”، متحدثة من داخل خيمتها وهي تشرب الشاي مع بعض أطفالها الأحد عشر.
وأضافت لوكالة فرانس برس أن أصحاب العقارات كانوا يطلبون مبالغ كبيرة.
وتوضح ان إيجار قطعة أرض صغيرة مساحتها 50 مترا مربعا قد يصل إلى 1000 شيكل (300 دولار) شهريا، وهو مبلغ باهظ بالنسبة لمعظم سكان غزة.
وفرت مصلح إلى خان يونس مع أطفالها مع تكثيف العمليات العسكرية الإسرائيلية قرب منزلهم في بيت حانون شمال غزة.
وتتابع “مشيتُ حتى أعثر على أرض لأولادي في مكان فيه حيوية وناس… أخبرنا الناس أنني لن اضطر للدفع هنا، بين الصحراء والمقابر. فوضعنا خيمة وأقمنا”.
ومع تكثيف الجيش الإسرائيلي هجومه داخل مدينة غزة، فرّ عدد متزايد من السكان جنوبًا في الأيام الأخيرة، باحثين عن مسكن في منطقة مكتظة أصلا تؤوي مئات الآلاف.
وأعلن الجيش الإسرائيلي الخميس أن 700 ألف فلسطيني نزحوا من مدينة غزة نحو الجنوب.
وتقول إسرائيل إنها تسعى إلى تفكيك ما تبقى من حماس في أحد آخر معاقل الحركة، التي أشعل هجومها في أكتوبر/ تشرين الأول 2023 فتيل الحرب.
وأمس، أكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن 388,400 شخص نزحوا في القطاع المحاصر منذ منتصف أغسطس/ آب الماضي، معظمهم من مدينة غزة.
ومع تزايد الطلب على المواصلات والمأوى، ارتفعت الأسعار بشكل كبير. ووفقا لبيانات الأمم المتحدة قد تُفرض على العائلات رسوم تزيد عن 3000 دولار مقابل المواصلات وخيمة ومساحة أرض.
“ثعابين وعقارب”
لا يستطيع الكثيرون تحمل هذه التكاليف، فيضطرون للتنقل سيرًا على الأقدام، ونصب الخيام أينما توفرت، وغالبا ما تكون الظروف المعيشية صعبة.
وتقول مصلح “لا يوجد ماء هنا … الأمور صعبة جدا، أولادي يمشون تقريبا أربعة كيلومترات” للحصول على الماء.
وأضاف “نحن في الصحراء حيث يوجد ثعابين وعقارب”، فيما يزيد القرب من القبور من معاناة العائلات.
وقالت أم محمد أبو شهلة التي نزحت من بلدة بيت لاهيا (شمال) “لم نتمكن من إيجاد مكان غير المقابر، كل مكان نذهب إليه نجده مليئا بالسكان”.
وأضافت لوكالة فرانس برس “نعيش مع الأموات، والحي أصبح حاله كالميت”.
وتابعت “حتى الأطفال ما عادوا يكترثون”.