اخترنا لكم

هل انسحبت الولايات المتحدة من أزمات الشرق الأوسط؟


منذ اتخاذ إدارة “بايدن” قرار الانسحاب من أفغانستان أواخر أغسطس الماضي، شهدت الولايات المتحدة انتقادات عدة لعدم دراسة أبعاد القرار على المنطقة.

فضلا عما سيترتب على هذا القرار من عودة تنامي التنظيمات الإرهابية، والتي كانت أمريكا قد أنفقت تريليونات الدولارات للقضاء عليها، بالإضافة إلى تأثر المصالح الأمريكية الاستراتيجية بالمنطقة.

ولا يعني ذلك سوى أن على الولايات المتحدة أن تُعيد حساباتها في قرار الانسحاب من المنطقة، وتنامي النفوذ الروسي وعمق العلاقات الروسية مع عدد من دول المنطقة، والذي كشفت عنه الأزمة الأوكرانية، وأوضحت مدى الارتباك وقلة الحيلة التي تعانيها إدارة “بايدن”، بالإضافة إلى تراجع مكانة واشنطن لدى حلفائها في المنطقة، لأنها أصبحت بمثابة شريك “غير موثوق به”.

ومنذ بدء الأزمة الأوكرانية، كان مستوى اهتمام إدارة “بايدن” بأزمات الشرق الأوسط منسجماً مع السياسات المُعلن عنها بشأن الانسحاب من المنطقة.

بالطبع لم تعتزم الولايات المتحدة الانسحاب الكامل من المنطقة وتركها لمنافسيها الاستراتيجيين نهائياً، وإنما تقليل الانخراط الأمريكي، بسبب ما تكبدته من تكلفة باهظة على مدار العقدين الماضيين وانزعاج الرأي العام الأمريكي من الانخراط في صراعات المنطقة.

وبعد أن أعلن “بايدن” ترشحه للانتخابات الرئاسية الأمريكية، أعرب عن نيته عودة أمريكا لخطة العمل المشتركة الشاملة مع إيران، والتي انسحب منها الرئيس السابق، دونالد ترامب، في مارس 2018.

ولم تبدأ المفاوضات مع إيران بمجرد وصول “بايدن” إلى الرئاسة، ولكن تعرقلت لأشهر بسبب انتخابات الرئاسة الإيرانية وفوز المنتمي للتيار المحافظ “إبراهيم رئيسي”.

وبالفعل، بدأت المفاوضات حول العودة للاتفاق النووي منذ العام الماضي، وشهدت جولات عديدة، لكنها أخفقت في التوصل إلى اتفاق نهائي.

وفي 21 مارس الماضي، أفادت بعض التقارير بأن الولايات المتحدة تدرس إزالة اسم الحرس الثوري الإيراني من قائمة “الإرهاب”، بعد أن كانت إدارة “ترامب” قد أضافته إلى القائمة عام 2019، وربما تكون تلك الخطوة من أجل استمالة إيران للعودة السريعة إلى المفاوضات.

وفي 23 مارس 2022، أعلنت الولايات المتحدة أنه بعد نحو سنة من المفاوضات، فإن المسؤولية تقع على طهران لاتخاذ قرارات قد تعتبرها صعبة من أجل إحياء اتفاق 2015، المتعلق بالحدّ من البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع العقوبات عنها.

في هذا السياق، ذكر المتحدث باسم الخارجية الأمريكية “نيد برايس”، أن اتفاقاً من هذا النوع “ليس وشيكاً ولا مؤكّداً”، ولهذا السبب بالتحديد تستعد الولايات المتحدة، خلال العام، لأيّ احتمال طارئ، مُؤكّداً التزام “بايدن” بمنع إيران من امتلاك قنبلة نووية، سواء باتفاق مع طهران أو دونه.

ويمثّل هذا التصريح تغييراً واضحاً في لهجة الولايات المتّحدة.

يُشار إلى أنه في مطلع مارس الماضي، بعد 11 شهراً من المفاوضات المعقّدة، أوشك التوصّل إلى اتّفاق في فيينا بين القوى العظمى وإيران على إحياء اتفاق 2015، وتراجعت روسيا عن تهديدها بنسف الاتفاق النووي الإيراني بسبب العقوبات الأخيرة المفروضة عليها، وفتحت الطريق أمام الاتفاق بعد ما يقرب من عام من المحادثات.

وأفادت بعض التقارير بأن الأطراف المشاركة في الاتفاقية النووية الإيرانية كانت على وشك التوصل إلى اتفاق في فيينا، إلى أن فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات شاملة على روسيا بعد أزمتها مع أوكرانيا.

وعلى هذا النحو، صرَّح وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف” بأنه تلقى ضمانات كتابية من الولايات المتحدة بشأن تلبية مطالبها، ما يعني أنه من المرجح استمرار المحادثات مع إيران.

ولا شك أن الاتفاق من شأنه أن يؤدي إلى تجدد صادرات النفط الإيرانية، ومن ثم الحد من الضغوط التي تدفع أسعار الطاقة إلى الارتفاع في الغرب، حسبما تأمل أمريكا.

من ناحية أخرى، أدانت الولايات المتحدة بشدة اعتداءات مليشيا الحوثي الإرهابية على منشآت مدنية في السعودية والإمارات، ودعا بيان للخارجية الأمريكية الحوثيين إلى إنهاء هذه الاعتداءات والمشاركة بشكل بناء مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة والمبعوث الأمريكي في إحلال السلام والأمن في اليمن.

وأكد البيان أن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بشراكتها الطويلة مع السعودية وهي تواجه اعتداءات مليشيات تحركها إيران.

وفي إطار التحرك نحو تعيين سفراء في اليمن والعراق فقد عقدت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ جلسة استماع في 3 مارس الجاري، للمرشح لتولّي منصب السفير الأمريكي في اليمن “ستيفن فاجن”، والمرشحة لتولي منصب السفيرة الأمريكية في العراق “ألينا رومانوفسكي”، وهما من السفراء الذين لديهم خبرة بشؤون المنطقة وصراعاتها وأزماتها، في وقت تحولت فيه الدولتان إلى مناطق نفوذ إيرانية، وأراضٍ تستخدمها طهران لتهديد أمن حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، وكذلك المصالح الأمريكية على أرض العراق.

وخلال الجلسة أكد “ستيفن فاجن” أن إعادة تصنيف الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن كمنظمة إرهابية “لا تزال قيد الدراسة”، وذلك بعد مضي أكثر من شهر على قول “بايدن” إنه يدرس هذه الخطوة.

وذكر “فاجن” أن إدارة “بايدن” “ستواصل العقوبات المستهدفة للأفراد والكيانات التي تسعى إلى إدامة الصراع والأزمة الإنسانية في اليمن لمصلحتها الخاصة.

من جانبها، أكدت “رومانوفسكي” المرشحة لتولي منصب السفيرة الأمريكية في بغداد، أن من أولويات عملها -حال توليها المنصب- تعزيز الاستقلال والمواطنة في العراق، معربة عن قلقها إزاء إمكانية عودة ظهور تنظيم “داعش” الإرهابي هناك.

وذكرت أن العراق سيظل أولوية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وحجر زاوية للاستقرار الإقليمي.

في الخلاصة، يمكن القول إن تحركات الولايات المتحدة في المنطقة -رغم انشغالها بالأزمة الأوكرانية- تؤكد التزام الولايات المتحدة بالانسحاب من المنطقة، إلا إذا تضررت مصالحها، فإنها ستتدخل بقوة للحفاظ عليها، كما ستحاول الولايات المتحدة تهدئة الأوضاع في المنطقة قدر الإمكان، لأن التوترات ستؤثر بالطبع على مصالحها، في ظل انشغالها بالأزمة الأوكرانية، فضلا عن محاولتها إثبات الوجود الأمريكي في المنطقة بينما يتنامى نفوذ منافسيها الاستراتيجيين، الصين وروسيا، بشكل ملحوظ، وبرز ذلك جلياً من عمق علاقات بعض دول المنطقة مع روسيا بعد إعلان موقفهم من الأزمة الروسية الأوكرانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى