ورقة الماضي تعود.. كيف تستخدم الجزائر جرائم الاستعمار لتعزيز نفوذها الأفريقي؟
تعكس استضافة الجزائر المؤتمر الدولي حول جرائم الاستعمار في إفريقيا محاولة لاستعادة نفوذها في القارة بعد أن فشلت في ترميم علاقاتها المتصدعة مع عدة بلدان من بينها دول التحالف الساحل الإفريقي.
وأكد وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف في افتتاح المؤتمر اليوم الأحد أن “الشعوب الإفريقية تمتلك الحق الكامل في المطالبة باعتراف واضح ورسمي بالجرائم التي ارتكبتها القوى الاستعمارية في القارة”، مشددا على أن “هذا الاعتراف يمثل الخطوة الأولى نحو معالجة الآثار العميقة التي خلّفتها تلك الحقبة”.
ولطالما استثمرت الدبلوماسية الجزائرية قضايا تصفية الاستعمار بتبني قضية التعويضات لتعزيز نفوذها في القارة، من خلال الترويج لفكرة أنها “أم الثورات” والمدافعة عن مصالح إفريقيا ضد القوى الغربية.
وتناقض الجزائر نفسها حيث تدعم سياستها قضايا التحرر ضد الأنظمة التي تعتبرها “استعمارية” أو “احتلالاً”، من ذلك أنها تمول وتوفر الغطاء السياسي لجبهة بوليساريو الانفصالية، لكنها تصنِّف حركة تقرير مصير القبائل “الماك” إرهابية وتتهمها بالخيانة والعمالة، متذرعة بالدستور ومبادئ الوحدة الوطنية التي تم إرساؤها بعد استقلال 1962.
ويهدف المؤتمر الذي تستضيفه الجزائر، بمشاركة دول الكاريبي، إلى بلورة موقف إفريقي موحد وموَّجّه تجاه المجتمع الدولي والأمم المتحدة، في مسعى لتعزيز الموقف الجزائري داخل الاتحاد الإفريقي، وفق وزارة الخارجية الجزائرية.
ويشير العديد من المحللين والمراقبين إلى أن نفوذ الجزائر ومصالحها في إفريقيا قد شهدت تراجعاً على مر السنين، خاصة في منطقة الساحل، نتيجة لمجموعة من العوامل الداخلية والخارجية التي يصفها البعض بأنها “سياسات خاطئة” أو “مقاربات غير متكافئة” مع المتغيرات القارية.
وبينما اعتمدت قوى إقليمية أخرى، ومن أبرزها المغرب، على الدبلوماسية الاقتصادية والمشاريع التنموية والاستثمارات المباشرة كأداة لتعزيز النفوذ، مثل المبادرات المتعلقة بالبنية التحتية والموانئ، على غرار مبادرة الأطلسي التي أطلقتها الرباط في نهاية العام 2023 بهدف تسهيل وصول دول الساحل إلى المحيط، ظلت المقاربة الجزائرية التنموية في العمق الإفريقي محدودة أو غير فعالة، مما جعل دول القارة تنظر إلى شركاء آخرين لتلبية احتياجاتها الإنمائية.
وأدت الأزمة الأمنية والسياسية الداخلية في الجزائر خلال فترة التسعينيات إلى تراجع دورها الإفريقي، حيث كان الاهتمام منصباً بالكامل على أمنها الداخلي. هذا الغياب الطويل سمح لقوى إقليمية أخرى بملء الفراغ وتعزيز علاقاتها مع العواصم الإفريقية.
ويرى محللون أن القارة الإفريقية لم تعد ساحة للنضال ضد الاستعمار التقليدي فحسب، بل أصبحت ساحة لتنافس القوى الكبرى (الصين، روسيا، تركيا، القوى الغربية) التي تستخدم أدوات التجارة والاستثمار والقروض والبنية التحتية، بينما ظلت الجزائر تراهن بشكل أساسي على “رأس مال ثوري” تآكل بمرور الزمن.
وباختصار يظل تراجع النفوذ الجزائري ناتجا عن تضافر الانكفاء الداخلي، والجمود في العقيدة الدبلوماسية، والتركيز المفرط على الأبعاد الأمنية والسياسية على حساب الدبلوماسية الاقتصادية والتنموية المرنة، مما سمح لقوى إقليمية ودولية أخرى بالاستفادة من هذا الفراغ.
