يمتزج صوت فيروز بهديل البلابل وخضرة المروج في صباحٍ جميل، لا تزال ولا يزال أهل لبنان بانتظار أنْ يُشرِق: «عندك بدي إبقى ويغيبوا الغُيّاب، إتعذب وإشقى ويا محلا العذاب، وإذا إنتا بتتركني يا أغلى الأحباب، الدنيي بترجع كذبة وتاج الأرض تراب، بفقرك بحبك وبعزّك بحبك، بحبك يا لبنان يا وطني».
يومٌ مُروِّع لكل إنسان شاهد ذلك الجحيم الذي لم يُرَ مثله منذ إبادة الأمريكان لمدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين، ولسببٍ لم يُعرَف حتى الآن وسيضيع السبب كالعادة، ينفجر مستودع بمرفأ بيروت يحوي بداخله 2750 طناً من نترات الأمونيوم، وهو ما يعادل 1800 طن من مادة «TNT» شديدة الانفجار، ليخلّف ذلك الانفجار أكثر من 158 قتيلاً وأكثر من 6000 جريح حتى الآن، ويلحق ضرراً كبيراً بنصف العاصمة، ويتسبّب في تشريد أكثر من 300 ألف شخص!
هذا البلد الجميل ابْتُلي بساسةٍ لا يرعون فيه إلّا ولا ذمّة، فزهرة الأمل الندية، ممثلةً برفيق الحريري تم تفجيرها جهاراً نهاراً منذ 15 عاماً ولم يُكشَف عن الفاعل بعد، وإلى الآن، ما زال حسان دياب يبحث عن مخرجٍ حسن لكارثة البلد الاقتصادية دون بوادر نجاح، ونصر الله نَصَرَ كل شياطين الدنيا على شعبه وخلق دولة مارقة داخل دولة مفككة تتجاذبها الطوائف وتتنازعها الأهواء ولا يُسحَق بها إلا المواطن المغلوب على أمره!
يتم حالياً تمييع جوهر المشكلة بأسئلة غريبة وخلط للأوراق، فلماذا أتت السفينة من جورجيا ولماذا توقفت وتأخرت عن رحلتها لموزمبيق، وما كان الخلل بها، ولماذا نُقلت حمولتها للميناء، وهل انفجرت لوحدها أم لأعمال لِحام ساذجة أم صاروخ قصف المستودع، لكن لا يريد أحد أن يُسائل الحكومة التي لا تملك سلطة فعلية على أرصفة الميناء ومستودعاته وتحتاج للإذن من حزب نصر الله، ولا يُسائل أحد سبب إهمال سيل رسائل التحذير من مشرف الميناء لخطورة وضع مستودع نترات الأمونيوم. الفاسدون يُجيدون تغطية الفساد جيداً!
ليس بجديد أنّ الشعب اللبناني قد فقد ثقته بل واحترامه لساسة البلد، وذلك ما تجلّى في حملة «كُلُّن يعني كُلُّن» سعياً لطرد كل الساسة، وكم كان مُذلاً تدافع الناس على الرئيس الفرنسي ماكرون وهو يتجول في المناطق المتضررة وسيدة ترجوه أن لا يدفع المساعدات للسياسيين ويخبرها أنّه لن يفعل، ثم تخرج عريضة ذكرها موقع BBC العربي وقع عليها أكثر من 36 ألف لبناني لإعادة البلد تحت الاستعمار الفرنسي، أي درجة وصل لها يأس الناس هناك!
سعر صرف الدولار الأمريكي في السوق السوداء وصل إلى 8400 ليرة لبنانية، ونصف مخزون القمح أودى به الانفجار، إضافة لـ90 % من مستودعات المستلزمات الدوائية بالميناء، والشعب شارف نصفه تقريباً على تجاوز خط الفقر، وكارثة الانفجار لن يشعر ببؤسها إلا عامة الناس فقط، بينما تمتلئ أرصدة الكبار من الساسة والمنتفعين والذين بلغ فسادهم في لبنان الجميل مبلغاً غير مسبوق، والذين أتعبوا البلد في توافقهم ودمّروه في اختلافهم، كما قال جورج أورويل ذات يوم: «السياسيون كالقرود في الغابة، إذا تشاجروا أفسدوا الزرع، وإذا تصالحوا أكلوا المحصول»
لبنان يحتاج لأكثر بكثير من المساعدات، يحتاج وقفة للشرفاء، فالاستعمار عندما خرج منه صنع دولة ذات تركيبة طائفية متنافرة، وهو ما أدى لحرب أهلية مدمرة قبل أن يتوافق الفرقاء شكلياً وتبدأ لعبة التوازنات والمحاصصة بين موارنة وأرثوذوكس وكاثوليك ودروز وشيعة وسُنّة، وكل طائفة تستند إلى طرف خارجي لدعم أجندتها داخل البلد، بل وداخل كل طائفة تشظّيات أخرى لا تزيد البلد إلا تمزقاً!
ما لم يقف العرب والشرفاء من العالم موقفاً مما يجري في لبنان فإن صبحه لن يشرق على بساتين الورد ومروج السوسن، ولكن سيشرق على المزيد من توابيت الموتى، ولن يحل مساؤه بغروب شمس حالم على صخرة الروشة، ولكن سيحمل معه بُكاء أرملة ونواح يتيم ونزعات روح جريح مغدور، لبنان أيها السادة كما قال أحد مُحبيه: هو «بِجَمَال يوسف، وحُزن أبيه، وفساد إخوته»
نقلا عن البيان الإماراتية