سياسة

أذربيجان تمد سوريا بالغاز في إطار مشروع استراتيجي لإعادة الإعمار


بدأت أذربيجان بضخ الغاز الطبيعي إلى سوريا عبر تركيا، في خطوة اقتصادية وسياسية استراتيجية تهدف إلى دعم جهود إعادة الإعمار في البلاد بعد سنوات من الصراع.

ويأتي هذا المشروع تتويجا لاتفاقات رفيعة المستوى وبدعم سخي من دولة قطر، مما يمثل تحولا جوهريا في المشهد الجيوسياسي الإقليمي، حيث تبرز تركيا كحليف رئيسي للحكومة السورية الجديدة وتطمح إلى دور محوري في إعادة بناء البلاد.

وهذه الخطوة لم تكن مجرد صفقة تجارية، بل هي رسالة قوية حول التغير في ميزان القوى والتحالفات في منطقة الشرق الأوسط.

وقال إلشاد نصيروف نائب رئيس شركة النفط الأذربيجانية (سوكار)، اليوم السبت إن أذربيجان ستصدر 1.2 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً إلى سوريا من حقل “شاه دنيز” في بحر قزوين، الذي تديره شركة “بي.بي”.

وأدلى نصيروف بهذا التصريح من جنوب تركيا، بالقرب من الحدود السورية، خلال مراسم احتفالية أقيمت في مدينة كيليس بحضور وزراء ومسؤولين من الدول الشريكة.

ومن جانبه، أوضح وزير الاقتصاد الأذربيجاني ميكائيل جباروف أن المشروع جاء بعد اتفاقات بين الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف والرئيس السوري أحمد الشرع، مؤكدا أن الغاز سيُنقل عبر الأراضي التركية بموجب ترتيب منسق.

وأضاف جباروف أن “بدء صادرات الغاز إلى سوريا يظهر أن أذربيجان قادرة على تصدير الغاز ليس فقط إلى الغرب، بل إلى الشرق والجنوب أيضاً”، في إشارة إلى توسيع نفوذ بلاده في أسواق الطاقة.

وقد أكد وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار أن الشحنات المتوقعة ستصل إلى حوالي ستة ملايين متر مكعب يوميا في المرحلة الأولى، مع إمكانية توريد ما يصل إلى ملياري متر مكعب سنويا في المستقبل.

وأشار بيرقدار إلى أن هذا الغاز سيُستخدم في إعادة تشغيل محطات توليد الكهرباء في سوريا بطاقة إجمالية تبلغ 1200 ميغاوات، مما يلبي احتياجات خمسة ملايين أسرة من الكهرباء.

وتكتسب هذه الخطوة أهمية خاصة بالنظر إلى الخلفيات السياسية المعقدة التي سبقتها. فتركيا، التي ظلت داعمة لقوات المعارضة السورية طوال فترة الحرب الأهلية التي استمرت نحو 13 عاما، تواصل دورها كحليف رئيسي للحكومة الجديدة بقيادة أحمد الشرع، التي جاءت بعد الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد في ديسمبر الماضي.

وهذا الاستمرار في الموقف التركي يعكس طموح أنقرة في أن تكون طرفاً محورياً في جهود إعادة إعمار سوريا، مما يفتح الباب أمام فرص اقتصادية واستراتيجية جديدة في المنطقة.

كما يحظى المشروع بدعم دولي ملحوظ، حيث أشاد المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا ولبنان، توماس باراك، بالخطوة في منشور على منصة إكس، مقدماً شكره لدولة قطر على “تمويلها الكامل لمبادرة الغاز الحيوية”.

 ووصف باراك الخطوة بأنها “فعّالة نحو الإغاثة والاستقرار في لحظة حرجة”، مما يمنح المشروع شرعية دولية قوية، ويؤكد على تنسيق إقليمي-دولي واسع لدعم استقرار سوريا.

وأوضح وزير الطاقة السوري محمد البشير أن إمدادات الغاز هذه ستدعم احتياجات الطاقة الأساسية في المناطق المتضررة، وأن الخط سيمكن من توريد 6 ملايين متر مكعب من الغاز يومياً، مع بدء توريد 3.4 ملايين متر مكعب في المرحلة الأولى “ضمن مساعدة كريمة مقدمة من أشقائنا في دولة قطر”.

وأكد البشير أن هذه الكمية ستمكن سوريا من زيادة إنتاج الطاقة بمقدار 750 ميغاواط، مما سينعكس بشكل مباشر على تحسين التغذية الكهربائية بإضافة نحو أربع ساعات تشغيل إضافية يومياً.

هذا التحسن في الكهرباء، وفقاً للوزير السوري، سيدعم “عجلة التنمية ويحرك الصناعة والاقتصاد، ويدعم جهود عودة المهجرين إلى مناطقهم”. وتعتبر هذه النقطة ذات أهمية قصوى، حيث أن استقرار البنية التحتية يعد شرطاً أساسياً لعودة ملايين السوريين الذين نزحوا داخل البلاد وخارجها.

كما لفت البشير إلى أن “وزارة الطاقة ستعمل على شراء وتأمين كميات إضافية من الغاز، بهدف رفع القدرة التوليدية وتحقيق مزيد من التحسن في الخدمة”، وهو ما يشدد على أن المشروع ليس مجرد حل مؤقت، بل هو جزء من استراتيجية طويلة الأمد لتعزيز استقرار المنظومة الكهربائية في عموم سوريا.

وبدوره، قال مدير الاتصال الحكومي بوزارة الطاقة أحمد السليمان عبر منصة إكس “انطلاق فعالية بدء تزويد سوريا بالغاز الطبيعي من الجانب التركي”.

واعتبر السليمان ذلك “خطوة تعزز التعاون الإقليمي وتدعم البنية التحتية للطاقة في المنطقة، ومرحلة جديدة نحو الاستقرار والتنمية المستدامة”.

وبدأت عملية ضخ الغاز الأذري في محطة “قره مزرعة” الواقعة على الحدود السورية-التركية شمالي محافظة حلب، وهي المحطة التي أُنشئت عام 2013 وتمت استعادة السيطرة عليها من تنظيم “داعش” بعد عام 2015. هذا التفصيل اللوجستي يبرز مدى تعقيد التحديات التي واجهت المشروع، ونجاح الأطراف في التغلب عليها.

أما عن دور قطر، فقد أكدت السفارة القطرية لدى دمشق، في بيان عبر منصة إكس أن هذا المشروع يأتي “تنفيذاً لتوجيهات أمير البلاد تميم بن حمد آل ثاني”، وأعلن صندوق قطر للتنمية بدء “المرحلة الثانية من دعم الطاقة الكهربائية في سوريا، بطاقة استيعابية تبلغ 800 ميغاواط”.

وأكدت السفارة، أن “المرحلة الأولى من المشروع، والتي نُفذت بطاقة استيعابية بلغت 400 ميغاواط (منتصف مارس الماضي)، ساهمت بشكل ملحوظ في استقرار الشبكة الكهربائية ودعم القطاع الصناعي” في سوريا.

وأضافت “ستبدأ المرحلة الثانية بتاريخ 2 أغسطس 2025 (اليوم) ولمدة عام كامل، وذلك مرورا بأذربيجان وتركيا وصولا إلى سوريا، حيث سيتم استقبال الإمدادات ابتداءً من محطة حلب وسيتم توزيعه على المدن والأحياء المختلفة بسوريا”.

وسيسهم هذا الدعم، وفق السفارة، “في رفع عدد ساعات تشغيل الكهرباء إلى 5 ساعات يوميا، بما يعادل تحسنا بنسبة 40 بالمئة يوميا”.

أوضحت السفارة أن “إجمالي مساهمات صندوق قطر للتنمية في قطاع الكهرباء في سوريا وصلت إلى أكثر من 760 مليون دولار، تأكيدًا على التزام دولة قطر الثابت بدعم الشعب السوري الشقيق، وتعزيز البنية التحتية الحيوية”.

ويمثل هذا المشروع نموذجا للتعاون الإقليمي الجديد الذي يهدف إلى تحويل الصراع إلى استقرار، ويعكس تغيرات كبيرة في التحالفات السياسية. فبينما يضخ الغاز عبر الأنابيب، تضخ معه آمال جديدة في إعادة بناء سوريا، مما يثبت أن الاقتصاد قد يصبح أداة فعالة لتحقيق السلام والاستقرار حيث فشلت السياسة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى