“لديّ عبارة أقولها دائما، قد نأتي على حين غرة ذات ليلة” عبارة قالها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قبل أيام.
في إشارة إلى نيته القيام بعملية عسكرية ضد منطقة سنجار العراقية، وهي العبارة ذاتها التي قالها أردوغان عشية الغزو التركي لعفرين السورية قبل نحو ثلاثة أعوام.
والسؤال هنا، لماذا يهدد أردوغان سنجار؟ وما أهمية سنجار في الاستراتيجية التركية؟ وماذا عن التوقيت والدلالات؟
تتمتع منطقة سنجار (شنكال حسب التسمية المحلية) بأهمية استراتيجية كبيرة لكل من العراق وإقليم كردستان وإيران وتركيا وسوريا، إذ إنها تتوسط هذه الدول، وتشكل ممرا أمنيا وعسكريا وتجاريا بينها، وسط خصوصية قومية ودينية، خاصة أنها المعقل التاريخي للطائفة الإيزيدية في العالم، حيث المعبد الأثري لالش، والمكان الوحيد تقريبا للحفاظ على تراث وثقافة وعادات أبناء هذه الطائفة التي تعرضت إلى مجازر على يد تنظيم داعش خلال السنوات الماضية.
وربما بسبب هذه الخصوصية، ركزت عليها الدولة العثمانية تاريخيا، إذ تقول الدراسات إن الدولة العثمانية وضعت خطة في منتصف القرن الثامن عشر للقضاء على هوية الإيزيديين في سنجار بعد أن حافظوا عليها، وتجسدت هذه الخطة في تنظيم حملات إبادة ضد الإيزيديين، وإرسال حملات عسكرية إلى مناطقهم للضغط عليهم، وتحويل مراقدهم ومزاراتهم الدينية إلى مدارس عثمانية، وإحداث تغيير ديمغرافي، وإغراء القبائل العربية والتركمانية للتوطين فيها بمنحها أراضي الإيزيديين الذين كانوا يتم تهجيرهم منها، وفي كثير من الأحيان اعتبرتهم الدولة العثمانية مرتدين عن الدين الإسلامي، وجب قتالهم والقضاء عليهم، وبسبب كل هذه السياسة تعرض الإيزيديون إلى التقوقع والجوع والحصار والحرمان إلى أن انهارت الدولة العثمانية.
ومع أن الدولة العثمانية انتهت فإن نظرة تركيا الأردوغانية لا تختلف كثيرا عنها تجاه سنجار، إذ إن القوات التركية الموجودة في قاعدة بعشيقة بالقرب من سنجار، فضلا عن الأخرى الموجودة على الجانب الآخر من الحدود، لم تتحرك لنجدة الإيزيديين في أثناء الهجوم الدموي لداعش عليهم عام 2014، بل عندما تصدى حزب العمال الكردستاني لداعش في هذه المنطقة، جعلت تركيا منه قضية للتصعيد، والتهديد الدائم بالقيام بعملية عسكرية، وسط عمليات اغتيال وقصف لم تتوقف طوال السنوات الماضية في المنطقة.
أمام هذه الخلفية التاريخية للسياسة التركية تجاه سنجار، لم يكن مستغربا أن تكون تركيا من أوائل الدول التي أعلنت تأييدها لاتفاق بغداد – أربيل في أكتوبر الماضي بخصوص سنجار، بل إن سفيرها في بغداد فاتح يلدز حاول دفع الاتفاق باتجاه واحد، وهو محاربة حزب العمال الكردستاني والجماعات المرتبطة به. وعليه، شهدت العلاقات التركية – العراقية خلال الفترة الماضية سلسلة زيارات لكبار المسؤولين العسكريين والأمنيين الأتراك إلى العراق، كانت آخرها زيارة وزير الدفاع التركي خلوصي آكار ورئيس الأركان يشار غولر إلى كل من بغداد وأربيل، وسط ترويج تركي لتفاهمات مشتركة معهما للقيام بعمليات مشتركة في قنديل وسنجار، ولعل هذا ما يقف وراء تهديد أردوغان بعملية عسكرية قريبة في سنجار.
في الواقع، ما يهم تركيا في سنجار والاتفاق الذي جرى بخصوصه جملة أمور أساسية، من أهمها:
1- منع أي وجود لحزب العمال الكردستاني والمجموعات التابعة له في منطقة سنجار.
2- إبعاد الإدارة الذاتية التي تأسست في سنجار عن المشهد على اعتبار أنها تشكل واجهة سياسية لحزب العمال.
3- إبقاء هذه المنطقة مفتوحة أمام تركيا بوصفها الجسر الذي يربطها بمناطق الوجود التركماني في العراق، لا سيما كركوك.
4- التطلع إلى زيادة نفوذها هناك، لا سيما في ظل التنافس مع إيران على استقطاب المليشيات المسلحة في شمال العراق.
5 – تعزيز وجودها العسكري في المنطقة، في إطار خطتها لإقامة العشرات من القواعد والمقار العسكرية هناك، بما يشكل كل ذلك دعما لقاعدتها العسكرية في بعشيقة، وتعزيز شروط تفاوضها مع بغداد التي تطالبها بسحب قواتها من بعشيقة.
6 – خلق واقع أمني وعسكري وسياسي جديد في سنجار المتاخمة لمناطق شرقي الفرات في سوريا، حيث تراهن تركيا على محاصرة الإدارة الذاتية الكردية في هذه المنطقة، عبر قطع جميع خطوط التواصل والإمداد بينها وبين سنجار وقنديل.
انطلاقا من هذه الأسباب وغيرها، بدت تركيا مؤيدة بشدة لاتفاق بغداد – أربيل بشأن سنجار، لكن الموقف الحقيقي لتركيا يتجاوز الأهداف المعلنة للاتفاق، والتي تتمثل في تشكيل إدارة مشتركة بين بغداد وأربيل للمنطقة، وإعادة إعمارها، وإعادة أهلها النازحين إليها، وإخراج المليشيات المسلحة التابعة لإيران وحزب العمال الكردستاني منها.. فتركيا في حقيقة الأمر تهدف من وراء كل ذلك إلى فرض سيطرتها على سنجار وعموم شمال العراق، في إطار خططها التوسعية والاستعمارية، إذ إن لسان حال أردوغان يقول: إما أن يكون شمال العراق تحت سيطرته وإما أنه سيقلب الحدود على أهله.