اخترنا لكم

أردوغان و”ذئابه الرمادية” في أوروبا

د. علي الدين هلال


شهد الأسبوع الماضي فرض قمة الاتحاد الأوروبي عقوبات على تركيا بسبب سياساتها المهدِّدة للسلم والأمن في المنطقة.

تشمل هذه السياسات التنقيب عن الطاقة في مناطق تابعة لليونان وقبرص، وتدخلها في الشؤون الداخلية لدول أخرى، واستخدامها للجنود المرتزقة للتدخل في مناطق النزاعات، وتمويلها لمنظومة من الجمعيات الدينية والمساجد التي تبث أفكارا متطرفة في أوروبا.

ولعل إحدى أدوات السياسة التركية التي لم يُسلَّط عليها الضوء بالقدر الكافي هي ما تسمَّى “جماعة الذئاب الرمادية” التي حظرت نشاطها كازاخستان عام 2005، والنمسا عام 2018، وفرنسا عام 2020. ويناقش البرلمان الألماني حالياً مشروع قرار مُماثل، والذي من المنتظر أن تحذو حذوه دول أوروبية أخرى.

تُعتبر جماعة الذئاب الرمادية فرعاً من حزب الحركة القومية التركية الذي تأسس عام 1969 على يد ألب أرسلان توركش وهو ضابط سابق في الجيش التركي، والذي ظل رئيساً للحزب حتى وفاته عام 1997 ثم خلفه دولت بهتشلي. ويلعب الحزب دوراً مهماً في الحياة السياسية التركية وشغل الموقع الثالث في الانتخابات البرلمانية يونيو 2018 وحصل على 49 مقعداً.

يقع هذا الحزب في أقصى اليمين القومي، ويؤيد سياسات الرئيس أردوغان وشارك في انتخابات 2018 من خلال ائتلاف انتخابي مع حزب العدالة والتنمية تحت اسم “تحالف الشعب”، الذي رشح أردوغان لرئاسة الجمهورية مما يشير إلى التقارب الفكري والسياسي بين الحزبين.

سُمِّيت جماعة الذئاب الرمادية بهذا الاسم لما يُمثِّله الذئب في الأساطير التركية. ولذلك، فإن قادتها ومناصريها يستخدمون إيماءة مميزة تُرفع خلالها قبضة اليد مضمومة مع رفع السبابة والخنصر وضم بقية الأصابع إلى بعضها، مما يعطي شكل وجه الذئب. واستخدم أردوغان هذه الإيماءة لأول مرة في خطاب له في مدينة مرسين في 13 مارس 2018، وكررها عدة مرات، مما يُعبِّر عن تعاطفه مع أفكار هذه الجماعة.

يتبنى حزب الحركة القومية أفكارا يمينية متعصبة تنطلق من مبادئ قومية وعنصرية، والحزب يدعو أيضاً إلى التواصل مع الأتراك أينما كانوا والعمل على توحيدهم في دولة واحدة، ويتبنى موقفاً عنصرياً تجاه الأقليات خصوصاً الأكراد والأرمن.

هذه الأفكار ذات طابع توسعي بالضرورة، إذ تعيش أقليات تركية في عدد من الدول التي تمتد من البلقان إلى آسيا الصغرى. ولهذا يؤيد الحزب سياسات أردوغان التوسعية بدعوى أنها خطوة على طريق تحقيق تلك المكانة الرفيعة التي يسعى إلى استعادتها.

وتُعتبر جماعة الذئاب الرمادية الذراع العسكرية لحزب الحركة القومية. وكغيرها من التنظيمات اليمينية المتطرفة، فإنها تؤمن باستخدام العنف كأداة في العمل السياسي، وتوفر المبرر السياسي والأخلاقي لذلك، وقد سبق لها استخدام العنف إبَّان فترة الاضطرابات السياسية التي شهدتها تركيا في حقبة السبعينيات، والصراع بين القوة اليمينية واليسارية. وشاركت في عمليات اغتيال عدد من السياسيين والمثقفين اليساريين. ويُقدَّر أنها قامت بـ694 هجوماً خلال الفترة 1974-1980 راح ضحيتها الآلاف.

وعلى مدى السنين، تم إنشاء فروع للذئاب الرمادية في الأحياء والمدن الأوروبية التي تعيش فيها جاليات تركية كبيرة في دول مثل ألمانيا وبلجيكا وهولندا وفرنسا، وذلك بهدف نشر أفكارها القومية المتطرفة بينهم. وعادةً ما تمارس نشاطها في شكل مجموعات أو حلقات نقاش مغلقة ليست مفتوحة للجميع.

واستخدمت تركيا الذئاب الرمادية في حشد التأييد لسياساتها ومواجهة التنظيمات التي تنتقد سياسات أردوغان. فتقوم بتوزيع المطبوعات والمنشورات التي تصب غضبها وتحريضها تجاه ثلاث فئات: الأكراد الذين يتمتعون بالجنسية التركية ويطالبون بالمساواة، والأرمن الذين يُذكِّرون العالم بالمذابح التركية التي اُرتكبت ضدهم في عام 1915، ومناصري اليونان في خلافها مع تركيا. كما تقوم بتنظيم المظاهرات التي ترفع هذه الشعارات في مواجهة المظاهرات التي ينظمها الأكراد والأرمن والتي تتحول في كثير من الأحيان إلى أعمال شغب وعنف.

كان من أحدث هذه الصدامات، ما وقع في مدينة ديسين- شاربيو الفرنسية التي تقع بالقرب من ليون في أكتوبر 2020 بين الأتراك والأرمن بشأن الدور التركي في إقليم ناغورني قره باغ، وقيام بعض أنصار الجماعة بكتابة اسمها على نصب تذكاري أُقيم لتكريم ضحايا مذابح الأرمن. لذلك، فقد اتهم كثير من البرلمانيين والمفكرين في أوروبا الذئاب الرمادية بأنها تدعو إلى التمييز والحض على الكراهية.

أضف إلى ما تقدم أن للذئاب الرمادية تاريخاً من المشاركة في الحروب من أبرزها حربا الشيشان ضد روسيا، وتاريخاً من العمل التحريضي من أمثلته النشاط مع تتار شبه جزيرة القرم والتركمان في سوريا، واغتيال ثلاث ناشطات كرديات في باريس عام 2013.

ولهذا، لقد أصبحت الذئاب الرمادية مشكلة أمنية في أوروبا لما تمثله من تهديد مباشر للأمن نتيجة تصديها لأي انتقادات لسياسات أردوغان، ولسعيها للسيطرة على عقول مواطنين أوروبيين من أصول تركية. وسوف يكون من شأن وقف نشاطها تصفية إحدى أدوات السياسية التركية في أوروبا، وتحرير الأتراك الأوروبيين من سطوة الأفكار المتطرفة.

العين الإخبارية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى