المغرب العربي

أزمة جديدة تلوح في الأفق: اعتقال صنصال يشعل الخلاف بين الجزائر والاتحاد الأوروبي


دعا مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل السلطات الجزائرية إلى إطلاق سراح الكاتب الفرنسي من أصل جزائري بوعلام صنصال الذي اعتقلته السلطات الجزائرية قبل نحو أسبوعين ويواجه تهما خطيرة بينها الخيانة والمساس بأمن الدولة وسيادتها على خلفية تصريحات أكد فيها صحة معلومات تاريخية حول مغربية الصحراء الشرقية ومسؤولية فرنسا المستعمر السابق عن اقتطاع جزء من أرض المملكة لصالح الجارة الشرقية، بينما يتوقع أن تحدث قضية صنصال أزمة في العلاقات بين الجانبين في حال رفض النظام الجزائري الافراج عن الكاتب المعروف بمواقفه المناهضة للنظام.

وتأتي هذه التطورات بينما سبق للاتحاد الأوروبي أن حذّر النظام الجزائري من الاستمرار في التضييق على حرية التعبير وقمع الحريات العامة، في حين كانت وسائل اعلام أوروبية قد وصفت الجزائر بأنها تحولت إلى سجن كبير لاصحاب الرأي المخالف وللاعلاميين والنشطاء.

وإلى حد الآن يسعى التكتل الأوروبي الذي يرتبط بعلاقات شراكة مع الجزائر، لممارسة الضغط لاطلاق سراح صنصال، لكن الاعلام الجزائري شخّص الضغوط الأوروبية وتنديد فرنسا العضو في التكل باعتقال مواطن يحمل جنسيتها وتعهدها بعدم التخلي عنه وأن عليها واجب الحماية، على أنها تأتي بسبب موقف الجزائر وقيادته من عدة قضايا خلافية مع الشريك الفرنسي على وجه الدقة.

وقضية صنصال ليست قضية طارئة في سياق حالة الشد والجذب بين الاتحاد الأوروبي والجزائر، إلا أنها قد تتحول إلى أزمة ما لم يتجاوب الجانب الجزائري مع دعوات الافراج عن الكاتب الذي يحمل الجنسية الفرنسية، فقد سبق للتكتل أن حذّر السلطة الجزائرية من المجازفة بعلاقات الشراكة على خلفية اجراءات عقابية كان قد اتخذها الجزائريون بحق اسبانيا منها تعليق اتفاقية الصداقة ومراجعة أسعار وكميات الغاز لمدريد حصرا بعد اعتراف الحكومة الاسبانية بمغربية الصحراء. ويرخي التوتر بين الجزائر وفرنسا بظلال قاتمة على العلاقات الجزائرية الأوروبية وقد يتفاقم في قادم أيام.

ولا يزال اعتقال صنصال يثير جدلا في الأوساط الفرنسية والأوروبية، فيما وصفت منظمات حقوقية ظروف توقيفه بـ”المخالفة” للقوانين، مشيرة إلى أن النظام الجزائري يتجاهل كافة الانتقادات بـ”فبركة” القضايا من أجل إسكات الأصوات المعارضة.

وقال بوريل، في كلمة ألقتها نيابة عنه المفوضة الأوروبية للمساواة هيلينا دالي إن “ظروف اعتقال واحتجاز الكاتب البارز بوعلام صنصال تثير العديد من التساؤلات والمخاوف”، لافتا إلى أنه “تم توقيفه من قبل الشرطة في مطار الجزائر في 16 نوفمبر/تشرين الثاني، ولكن لم يتم تأكيد اعتقاله إلا بعد ستة أيام، ولم يُسمح له بمقابلة وكيل النيابة إلا يوم 26 من الشهر نفسه”.

وكشف بوريل نقلا عن محامي صنصال أن “موكله وُجهت إليه تهمة استنادا إلى مادة متعلقة بالإرهاب في القانون الجنائي الجزائري”، وتابع “إذا كانت هذه التهمة تستند فقط إلى آراء عبر عنها علنا، فإن ذلك سيشكل هجوما واضحا على حرية التعبير”.

وأعلن المحامي في وقت سابق أن صنصال يقبع حاليا “رهن الاحتجاز بموجب المادة 87 مكرر من قانون العقوبات الجزائري التي تعاقب مجمل الاعتداءات على أمن الدولة” وتنص على عقوبة الإعدام التي تصدرها المحاكم الجزائرية أحيانا لكنها لم تُطبق منذ عام 1993.

ودعا بوريل السلطات الجزائرية إلى “معالجة القضايا التي ترتبط بوضوح بسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان، بما في ذلك الإدارة العادلة للعدالة”.

وشدد على أن “الحريات الأساسية، بما في ذلك حرية التعبير، منصوص عليها ليس فقط في القانون الدولي بل أيضا في الدستور الجزائري”، لافتا إلى أن هذه القيم العالمية “تشكل جوهر العلاقات والشراكة بين التكتل والجزائر.

وكان صنصال قد أكد خلال مقابلة مع “فرانتيير ميديا” الفرنسية أن “مدنا بالغرب الجزائري كانت تاريخيا جزءا من المغرب مثل تلمسان ووهران ومعسكر”، فيما أثار هذا التصريح الذي يستند إلى وثائق تاريخية غضب الجزائر التي اتهمت الكاتب بـ”احتراف التزييف”.

وينظر المغرب إلى قضية الصحراء الشرقية على أنها قضية سيادة وحقوق تاريخية موثقة، لا سيما وأن الوثائق والمراسلات الرسمية تثبت أن “هذه الأراضي كانت جزءا من المملكة قبل أن تقتطعها فرنسا خلال فترة استعمارها للجزائر”.

وشن الإعلام الجزائري حملة شرسة على صنصال واتهمه بالخيانة، فيما ذهبت بعض المواقع إلى حد المطالبة بتسليط أقسى العقوبات عليه، رغم أنه كشف عن معطيات موثقة حول مغربية الصحراء الشرقية.

وأكد بوريل أن الاتحاد الأوروبي “سيستمر في متابعة قضية صنصال عن كثب بالتنسيق الكامل مع السلطات الفرنسية”، مذكرا بأنه “قبل بضعة أسابيع فقط تم إطلاق سراح الصحافي إحسان القاضي”، مضيفا “لا شك أن هذه إشارة إيجابية، ونأمل أن تؤكد طريقة التعامل مع قضية بوعلام صنصال هذا المسار المشجع”.

وكان وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو قد وصف اعتقال صنصال بأنه “غير مقبول”، مؤكدا أن الدبلوماسية الفرنسية “في حالة استنفار كامل لمراقبة وضعه والسماح له بنيل الحماية القنصلية”.

ويقبع العديد من الإعلاميين الجزائريين في السجن بعد أن اعتقلتهم السلطات إثر التعبير عن آراء معارضة لسياسات الرئيس عبدالمجيد تبون، بينما اضطر العديد من الصحافيين والنشطاء إلى التوجه إلى منفاهم الاختياري خوفا من الملاحقات القضائية، في وقت تشير فيه تقارير إلى أن البلاد تحولت إلى “سجن كبير” للمعارضين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى