أمريكا تحاصر روسيا بالعقوبات وتشتري منها النفط!
أفادت هيئة الإحصاء الأميركية، بأن الولايات المتحدة استوردت في أكتوبر/تشرين الأول النفط من روسيا لأول مرة منذ عام ونصف العام، وفي نوفمبر قامت بتكرار عمليات الشراء المذكورة، على الرغم من أنها تفرض حظرا على واردات النفط ومصادر الطاقة الأخرى من روسيا منذ مارس/آذار 2022 في إطار تشديد جديد للعقوبات بسبب الحرب في أوكرانيا.
واستوردت الولايات المتحدة نفطا من روسيا في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، لأول مرة منذ أبريل/ نيسان 2022. ووفق بيانات التجارة الخارجية الأميركية الخميس، اشترت البلاد 10 آلاف برميل من النفط الروسي مقابل 749 ألف دولار في نوفمبر 2023، خلافا للحد الأقصى الذي وضعته مجموعة السبع على سعر النفط الروسي.
وطبقت دول مجموعة السبع سعرا أقصى قدره 60 دولارا لبرميل النفط الروسي في ديسمبر/ كانون الأول 2022. وتضم المجموعة الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا واليابان وكندا وألمانيا وإيطاليا.
لكن السعودية ودول أخرى توافقت على خفض انتاج النفط، وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي اتفقت “أوبك بلس” -التي تضم منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاء بقيادة روسيا- على تخفيضات في الإنتاج قدرها مليونا برميل يوميا من نوفمبر/تشرين الثاني حتى نهاية العام، مما أغضب واشنطن إذ يؤدي شح المعروض إلى ارتفاع أسعار النفط.
وقالت الولايات المتحدة حينئذ إن العالم بحاجة إلى أسعار أقل لدعم النمو الاقتصادي ومنع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من كسب المزيد من الإيرادات لتمويل حربه على أوكرانيا، وذلك بعد أن أطلقت روسيا عملية عسكرية في أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط 2022، ، تبعتها ردود فعل دولية غاضبة وفرض عقوبات اقتصادية ومالية “مشددة” على موسكو.
وكان مسؤولون أميركيون تعهدوا بأن النظام المالي الروسي سيتضرر إذا هاجم أوكرانيا، وتفاخر الرئيس الأميركي جو بايدن بأن العقوبات “تسحق الاقتصاد الروسي”، وأن “الروبل يتحول إلى أنقاض”. غير أن عائدات النفط الروسية سجلت أرقاما قياسية مع ارتفاع أسعار النفط الخام.
وقال محللون أن قلة من المسؤولين في إدارة بايدن أو نظرائهم في أوروبا توقعوا أن تؤدي العقوبات إلى وقف الحرب على الفور، لكنهم لم يتوقعوا في المقابل، تلك الضغوط الاقتصادية التي يواجهونها الآن. وفي وقت سابق، قال رئيس المعهد الأميركي للأبحاث الاقتصادية، وليام روجر إن الولايات المتحدة ومن خلال العقوبات التي فرضتها على روسيا انتهى بها الأمر “بإطلاق رصاصة على قدميها”.
بدوره قال الخبير الروسي ونائب الرئيس للدراسات في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي أندرو فايس، إن جزءا من المشكلة هو أن اقتصادات الدول الغربية أكثر انكشافا مما توقعته حكوماتها.
وفيما شهدت نتائج العقوبات وتوظيف أدوات الهيمنة الاقتصادية المختلفة تفاوتاً طبقاً لظروف كل ملف على حدة، إلا أن هذا السلاح تغامر واشنطن بفقدانه في ضوء توسعها في استخدامه على نحو واسع، ومع تبني عدة دول مسارات مختلفة يُمكن من خلالها “التحايل” على تلك العقوبات، والابتعاد بعيداً عن الهيمنة الأميركية.
ومع الجهود الرامية إلى “كسر هيمنة الدولار” عبر التبادلات الثنائية أو متعددة الأطراف بالعملات الوطنية، ودور التكتلات الإقليمية والدولية الحديثة وأهدافها الطموحة في إعادة ترتيب النظام الاقتصادي العالمي، وبما يشكل تهديداً واضحاً لواشنطن وأسلحتها.
كما تواجه واشنطن معارضة متنامية للأدوات الاقتصادية ضمن أجندتها الخارجية، بما في ذلك معارضة من جانب بعض الحلفاء الذين يعانون -في بعض الأحيان- من ارتدادات تلك العقوبات على اقتصاداتهم، سواء بشكل مباشر وغير مباشر، وكذلك اللغط الذي تثيره “النتائج المعاكسة” لتلك العقوبات في بعض الأحيان، وبما يؤدي إلى مفاقمة الأزمات لا حلها، مثلما هو الحال فيما يتصل بالعقوبات المفروضة على إيران على سبيل المثال.
وأثبت الاقتصاد الروسي مرونته، حيث سجل نمواً كبيراً خلال العام الجاري 2023. وتم إعادة توجيه صادرات النفط والغاز إلى الصين والهند، على أن تقوم الأخيرة بعد ذلك بإعادة تصدير النفط إلى أوروبا.. كذلك قاومت السعودية دعوات بايدن لتوسيع إنتاج النفط لخفض الأسعار، وخفض سعر وحجم صادرات النفط الروسية.
وفي الوقت نفسه، فمن خلال قطع السوق الروسية الكبيرة عن الشركات الأوروبية وزيادة تكاليف الطاقة نتيجة لقطع علاقات الطاقة الألمانية الروسية، ألحقت العقوبات ضرراً شديداً بأوروبا، وخاصة ألمانيا (أكبر اقتصاد أوروبي).
وكان تقرير صادر عن مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف في فنلندا. قد حذر من ثغرات محتملة في استراتيجية الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لتقييد واردات النفط الروسي. وأشار إلى أنه منذ دخول الحظر على واردات الطاقة من روسيا حيز التنفيذ، تم تحويل الكثير من النفط الخام الروسي إلى الهند. وبمجرد تكرير النفط في الهند، سيتم بيع الكثير منه لعملاء في أوروبا والولايات المتحدة.
وقال المحللون أن أوروبا لم تخرج نهائيا من سوق المنافسة على النفط والغاز الروسي، إذ أن الخام الروسي سينتهي به الأمر أيضا في أسواق الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، ليس بشكل مباشر ولكن ممزوجا، فرغم العقوبات لا يزال يتجه إلى بعض الأسواق الأوروبية عبر الهند.