اخترنا لكم

إدارة “بايدن” والمشتركات العربية-الإسرائيلية الجديدة


سيشهد الشرق الأوسط تغيرات مرتبطة بالتحالفات الثنائية ومتعددة الأطراف، وفي مجالات الأمن والاستراتيجية والترتيبات الأمنية الجديدة، المتجاوزة للطرح النظري نحو علاقات أكثر استقرارا.

وتحاول الولايات المتحدة -وللعديد من الأسباب- أن تقف على مقربة مما يجري، خاصة أن مرحلة ما بعد النزاع الروسي-الأوكراني سترتب مُناخا إقليميا ودوليا مختلفا يمكن أن يؤثر على مسارات واتجاهات التحرك للسياسة الأمريكية الراهنة، والتي تواجه مرحلة فارقة من عمر النظام الدولي، الذي يتشكّل حاليا ليكون العالم أمام أقطاب متعددة، روسي وصيني وأمريكي، مع دور مرتقب لبعض القوى الإقليمية الأخرى، منها الهند وكوريا الجنوبية والبرازيل، وهو ما يدفع الولايات المتحدة لمراجعة شراكتها بالحلفاء في العالم، وليس فقط في الشرق الأوسط.

يأتي هذا في ظل مخاوف مترددة من أن تُقدِم بعض الدول على الخروج من شراكتها مع الولايات المتحدة، أو على الأقل العمل مع حلفاء آخرين، وهو ما يجري في إطار الاتصالات مع روسيا والصين من قِبل بعض الدول العربية بصورة تدعو للتساؤل فعلا: هل يمكن نقل رسائل إلى الشريك الأمريكي بضرورة مراجعة توجهاته ومواقفه تجاه بعض الملفات العربية، والكف عن التدخل في شؤون بعض الدول؟

ربما تريد أمريكا نموذجا يُطبَّق على كل الدول الحليفة، لاستثمار شراكتها مع مَن لم يستجب لها في الأزمة الروسية الأوكرانية، الأمر الذي يتطلب مراجعة السياسة الأمريكية تجاه دول المنطقة، والتعامل بصورة أخرى، ولهذا كان تحرك الإدارة الأمريكية لمواجهة ما يجري بتوجيه رسائل تطمين للدول العربية بـ”عدم تأثرها جراء توقيع الاتفاق النووي مع إيران”، والتي سيؤكد حضورها في الإقليم التأثير السلبي على الأمن القومي العربي.

وتتحدث الإدارة الأمريكية انطلاقا من مخاوف مشروعة للدول العربية، حال استمرار النهج الإيراني ووكلائه بالمنطقة في هز استقرار الدول العربية، والذي برز بوضوح في استمرار تهديد مليشيا الحوثي الإرهابية لدول الجوار اليمني، فضلا عن التجارة والملاحة الدولية، وهو ما يجب أن يوضع في اعتبار واشنطن، بأن الدول العربية تطلب تأكيد حقائق مباشرة وفاعلة في سياق الأمن القومي العربي والشرق أوسطي معا، فأي دولة بالمنطقة، بما فيها إسرائيل، يجب أن تتحرك انطلاقا من مصالح مشتركة وبيئة مختلفة تماما عن الفترة السابقة، وهو ما يؤكد أن البيئة الأمنية والسياسية في الإقليم تتغير، وتحتاج إلى أسس جديدة تتشارك فيها إسرائيل مع الدول العربية، التي عقدت اتفاقات سلام معها، سواء بدعم الولايات المتحدة أو دونها، خاصة أن الإدارة الأمريكية سبق وأعلنت عدم تدخلها في أمن الإقليم ولا في تشجيع مزيد من اتفاقيات السلام في الشرق الأوسط، لكنها سرعان ما واجهت أزمة حرب غزة، فجاء وزير خارجيتها إلى المنطقة، وبدأ الاهتمام عن بُعد بما يجري في الشرق الأوسط، ويمس أمن إسرائيل، ومن ثم فإن الحديث عن نظام أمني جديد تلتحق به دول المنطقة بات طبيعيا، في ظل ما يجري من تحولات هيكلية متعلقة بوجود إيران، وهو ما سيدفع نحو مزيد من الإجراءات، وتحويل اللقاءات والاجتماعات العربية الإسرائيلية إلى مساحة أخرى من التعاملات، في وقت تواصل فيه إيران سعيها نحو العتبة النووية، فيما لا تزال مصممة على بناء خياراتها العسكرية لتهديد إسرائيل في مناطق عدة على طول حدودها، بما في ذلك استخدام وكلاء لها في هجوم مضاد وبالصواريخ، ومركبات الهجوم الجوي دون طيار والنيران الدقيقة.

في المقابل، سيستمر اعتماد إسرائيل على دعم الولايات المتحدة، لكن المساعدة التي يمكن أن تقدمها واشنطن لإسرائيل تواجه تحدي الاستقطاب الأمريكي الداخلي، حتى مع تركيز اهتمام أمريكا على مشكلاتها الداخلية والصراع مع وروسيا الصين، على حساب انخراطها في الشرق الأوسط.
في ظل هذه الخلفية، فإن الإدارة الأمريكية أقل استعدادًا للاهتمام بمصالح ومخاوف إسرائيل، سواء فيما يتعلق بإيران، أو فيما يتعلق بالملف الفلسطيني. بالإضافة إلى ذلك، فإن الولايات المتحدة أقل استعدادًا للاستثمار في تمديد وتكثيف اتفاقيات السلام بين إسرائيل والدول العربية.

ويدفع التنسيق العربي-الإسرائيلي في المدى المنظور نحو دخول إسرائيل -كقوة مركزية أمريكية- إلى جانب الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة، وهو أمر سيغير وقائع التحالف العربي-العربي إلى نظام شرق أوسطي أوسع، ما سيفرض تغييرا في رؤية الدول العربية للمخاطر الإقليمية، واستيعاب دور إسرائيل في نظام أمني شرق أوسطي، ودخولها ضمن التحالف الدولي البحري لمواجهة التهديدات والمخاطر البحرية.

اللافت أن إسرائيل تعاملت بواقعية سياسية جديدة بدت مثلا في مفاوضات ترسيم الحدود مع لبنان حول منطقة البلوك 9 بوساطة أمريكية، الأمر الذي يشير إلى مسعى إسرائيلي لتعاملات جديدة مع دول الجوار، لكنها ما تزال في حالة مواجهة مع “حزب الله” الإرهابي في لبنان.

تبقى الخلاصة أن الإقليم مقبل على طرح صيغ أمنية جديدة من خلال انتشار آليات الإنذار المبكر والتنبيه الاستباقي، ما سيعمق الحضور الإسرائيلي المكثف في أمن الإقليم، ويوضح أن إسرائيل راغبة في حجز دور في أي ترتيبات أمنية واستراتيجية مستقبلية، وقد سبق أن طرحت مقاربة شاملة في هذا الموضوع، ستدفع إلى تسريع خطواتها لبدء صياغة مشتركة للأمن الإقليمي بإجراءات انفرادية وجماعية تقر بناء منظومة أمنية جديدة لمواجهة أي مستجدات طارئة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى